في أول لقاء من نوعه منذ ربع قرن، جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، وسط مؤشرات على تحول جيوسياسي محتمل بعد قرار واشنطن رفع العقوبات عن دمشق. لكن ما أثار الانتباه أكثر من الكلمات كانت لغة الجسد بين الزعيمين، خاصة في لحظة المصافحة التي حملت رسائل سياسية عميقة.
يد ممدودة مقابل قبضة مغلقة: قراءة في المشهد
التقطت الكاميرات لحظة التقاء يد الشرع الممدودة بيد ترامب المقبوضة، وهي صورة تختزل ديناميكية اللقاء ككل. التحليل البصري يُظهر أن:
-
يد ترامب المقبوضة ترمز إلى سيطرة الولايات المتحدة على خيوط اللعبة السياسية في الملف السوري، وتؤكد أن واشنطن هي من تضع الشروط، خاصة بعد رفع العقوبات الذي يُعتبر “ورقة ضغط” كبرى.
-
يد الشرع الممدودة تعكس حالة الاحتياج السوري إلى القوة الأمريكية، وتلمح إلى استعداد النظام الانتقالي (أو ما تبقى منه) للتعاون في إطار شروط أمريكية، ربما مقابل مكاسب اقتصادية أو سياسية.
السياق السياسي: من رفع العقوبات إلى “صفقة أبراهام”
جاء اللقاء بعد ساعات من إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وهو القرار الذي رحبت به دمشق ووصفته بـ”نقطة التحول المحورية”. لكن البيت الأبيض سرعان ما ربط الخطوة بجدول أعمال أوسع، حيث دعا ترامب الشرع إلى الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، التي سبق أن وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل في 2020.
-
هذه الدعوة تكشف محاولة أمريكية لاستغلال الحاجة السورية لتحقيق مكاسب إقليمية، خاصة في ملف التطبيع مع إسرائيل.
-
البيان الأمريكي وصف الدعوة بأنها “فرصة لعمل عظيم للشعب السوري”، لكن العبارة تبدو غامضة في ظل انقسام السوريين بين مؤيد للنظام الانتقالي ومعارض له.
اللقاء الخليجي الأوسع: سوريا على طاولة الرياض
الاجتماع الثنائي سبق لقاءً أوسع ضم قادة خليجيين في إطار جولة ترامب الإقليمية، مما يؤكد أن الملف السوري بات جزءًا من استراتيجية أمريكية لإعادة ترتيب التحالفات في المنطقة، خاصة مع التوجه نحو تطويق النفوذ الإيراني.
-
السعودية، المضيفة للقاء، قد تكون طرفًا خفيًا في هذه المفاوضات، خاصة بعد التقارب الأخير بين الرياض ودمشق.
-
إسرائيل، رغم غيابها الرسمي، تبدو المستفيد الأكبر من أي تحرك سوري نحو التطبيع.
مصافحة تكفي لإرسال الرسائل
اللقاء لم يكن مجرد حدث دبلوماسي روتيني، بل كان فرصة للولايات المتحدة لتذكير جميع الأطراف بأنها اللاعب الرئيسي في الملف السوري. صورة المصافحة بين ترامب والشرع قد تكون أكثر تعبيرًا من أي بيان: واشنطن تمسك بورقة الضغط، بينما دمشق تمد يدها بحثًا عن شريان حياة. السؤال الآن هو ما إذا كانت هذه المصافحة ستتحول إلى اتفاق فعلي، أم أنها مجرد محطة في مسار طويل من المناورات السياسية.
وتعكس هذه اللحظة الرمزية طبيعة العلاقة التي تحاول إدارة ترامب فرضها في الشرق الأوسط، حيث تزاوج بين الإغراءات الاقتصادية والدبلوماسية من جهة، والرسائل الصارمة من جهة أخرى. فالعقوبات تُرفع ولكن وفق شروط، والانفتاح ممكن ولكن من بوابة إسرائيل، والشرعية تُمنح فقط حين تلتزم الأطراف بالرؤية الأميركية للسلام الإقليمي.