استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره السوري أحمد الشرع، اليوم السبت، في قصر دولمة بهجة بإسطنبول. اللقاء الذي بثت تفاصيله وسائل إعلام رسمية تركية، عكس دفئاً بروتوكولياً ملحوظاً، إذ أظهرت مشاهد تلفزيونية الشرع وهو يصافح إردوغان داخل المكتب الرئاسي التركي، في لقاء هو الثاني من نوعه منذ تولّي الشرع منصبه، بعد لقاء سابق جمعهما في أنقرة خلال شهر فبراير الماضي.
الاجتماعات الوزارية تمهّد لمرحلة جديدة من التنسيق
بالتوازي مع اللقاء الرئاسي، أعلنت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن زيارة مرتقبة لوزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى تركيا، حيث من المقرر أن يعقدا اجتماعات مع نظيريهما التركيين لبحث سلسلة من الملفات الأمنية والسياسية المشتركة. ويُنتظر أن تكون هذه اللقاءات محطة جديدة في مسار استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، بعد أكثر من عقد من القطيعة، طبعها التوتر والتدخل العسكري المتبادل.
الملف الكردي: أولوية أنقرة وموضع اختبار لدمشق
الزيارة تأتي بعد تصريحات حادة أدلى بها إردوغان مؤخراً، دعا فيها دمشق إلى عدم التلكؤ في تنفيذ الاتفاق الخاص بدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، معتبراً أن تركيا تراقب هذا المسار “عن كثب”. وتعد قسد، التي يشكل عمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن، العدو الأبرز لأنقرة في الشمال السوري، حيث تصنفها تركيا منظمة إرهابية تهدد أمنها القومي.
وبحسب متابعين، فإن موقف تركيا يعكس رغبة واضحة في تفكيك الكيان العسكري الكردي شمال شرقي سوريا، ليس فقط من خلال الضغط على دمشق، بل عبر انخراط إقليمي ودولي، وهو ما يفسر الإعلان المفاجئ عن تشكيل لجنة رباعية تضم تركيا وسوريا والعراق والولايات المتحدة، لبحث مصير عناصر تنظيم داعش المحتجزين في سجون ومخيمات تابعة لقسد، وسط تحذيرات من عودة خطر التنظيم في حال فشل التنسيق الأمني.
واشنطن تدخل على الخط: زيارة أمريكية رفيعة إلى دمشق
في تطور يضفي مزيداً من الزخم على الملف السوري، أعلن “تلفزيون سوريا” المعارض أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، سيزور دمشق خلال الأسبوع الجاري، حيث من المقرر أن يلتقي بالرئيس أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني. وبحسب المصدر، فإن هذه الزيارة تُعد الأولى من نوعها لمسؤول في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى العاصمة السورية، ما يمثل تحولا دبلوماسياً لافتاً في تعاطي واشنطن مع القيادة الجديدة في دمشق.
ويأتي هذا التحرك الأميركي في وقت تحاول فيه واشنطن إعادة تموضعها في الساحة السورية، خصوصاً بعد ما بدا أنه فتور في العلاقة مع قسد، التي تواجه ضغوطاً متزايدة من دمشق وأنقرة على حد سواء. كما تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على نفوذها في مناطق شرق الفرات، بالتوازي مع التفاهمات الناشئة بين الخصوم التقليديين في المنطقة.
مشهد إقليمي متغيّر وتحالفات تعاد صياغتها
التحركات السياسية والعسكرية الأخيرة تندرج في سياق إقليمي أوسع يشهد تحولات متسارعة، بدءاً من بوادر تهدئة في الملف السوري، وصولاً إلى الانفتاح التركي على محور طهران-بغداد-دمشق، ومروراً بإشارات أميركية عن استعداد لإعادة تقييم السياسات السابقة حيال الأزمة السورية.
ورغم تعقيدات المشهد، فإن اللقاءات المتعددة الأطراف والتصريحات الرسمية توحي بأن مرحلة ما بعد الحرب في سوريا بدأت تدخل طوراً عملياً، حيث تُعاد صياغة الاصطفافات، وتتبلور أطر جديدة للتفاهم، في ظل توافق ضمني على ضرورة تجفيف منابع التوتر في شمال سوريا، خصوصاً ما يتعلق بالوجود الكردي وشبكات داعش المتبقية.