رغم التصعيد المستمر في قطاع غزة، والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، تُظهر تل أبيب ترددًا ملحوظًا في شن هجوم مباشر على إيران، لا سيما منشآتها النووية. يعود هذا التردد إلى عدة عوامل استراتيجية وعسكرية وسياسية، تتقاطع فيها المخاوف من ردود الفعل الإقليمية والدولية، مع محدودية القدرة على خوض جبهتين نشطتين في آن واحد.
الفرق في طبيعة المعركة – غزة مقابل إيران
◄ غزة
معركة غير متناظرة مع فصائل مقاومة محاصَرة. والتفوق الجوي والتكنولوجي الكامل لإسرائيل. والقدرة على تكرار نمط القصف والتهجير دون خسائر عسكرية كبيرة. وردود الفعل الدولية، وإن كانت غاضبة، لا تترجم إلى عقوبات أو ردع حقيقي.
◄ إيران
دولة ذات سيادة، واسعة المساحة، وتملك قدرات دفاعية متقدمة. ومنشآت نووية محصنة، منتشرة، وبعضها تحت الأرض. وامتلاك إيران وحلفائها لوسائل ردّ إقليمي «حزب الله، الحوثيون، الحشد الشعبي، إلخ». أي هجوم على إيران قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة يصعب على إسرائيل التحكم في حدودها أو مدتها.
ثانيًا: المخاوف الإسرائيلية من ضرب إيران
غياب الغطاء الأميركي الكامل
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده غير مستعدة حاليًا لدعم عمل عسكري ضد إيران. إسرائيل اعتادت التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة في أي عمليات بهذا الحجم، والغياب الأميركي يُفقدها الغطاء السياسي واللوجستي.
تمتلك إيران ترسانة من الصواريخ الباليستية والدقيقة، يمكن أن تستهدف العمق الإسرائيلي. احتمال انخراط حزب الله من الجبهة الشمالية، ما يفتح جبهة ثانية مدمرة. الخشية من الانهيار الداخلي أو العسكري، جيش الاحتلال مُنهك جزئيًا في غزة، والعمليات البرية المعقدة تُكلفه خسائر مستمرة. والجبهة الداخلية الإسرائيلية تعيش على وقع الاستنزاف النفسي والسياسي بعد أشهر من العمليات في غزة.
التوقيت غير المناسب سياسيًا
حكومة نتنياهو تواجه ضغطًا داخليًا غير مسبوق. الضربة على إيران قد تُفهم دوليًا كتصعيد غير مبرر، وتفقد إسرائيل ما تبقى لها من دعم غربي هش. وتُظهر إسرائيل قوة مفرطة في غزة – حيث الحصار، والفقر، والكثافة السكانية، وانعدام توازن القوى – بينما تُمارس حذرًا استراتيجيًا أمام إيران، القوة الإقليمية الصاعدة.
اختلال موازين الردع
المقاومة في غزة تُردع بالقوة، لكن إيران تملك أدوات ردع حقيقية. حسابات الربح والخسارة: في غزة، تعتقد إسرائيل أن الكلفة السياسية والأخلاقية لا تردعها، بينما أي فشل في إيران سيكون له تداعيات أمنية وتاريخية عميقة. ضربات محدودة عبر طائرات مسيرة أو عمليات سيبرانية.
تحريك عملاء على الأرض أو شن هجمات سرية ضد العلماء والمنشآت. الضغط على واشنطن لتضمين تفكيك البرنامج النووي الإيراني في أي اتفاق. إبقاء التهديد العسكري قائمًا كأداة ضغط، دون التنفيذ الفعلي في الوقت الحالي.
في وقت تُظهر فيه إسرائيل أقصى درجات العنف ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، تكشف ترددها تجاه إيران عن حقيقة موازين القوة في المنطقة. إيران تمثل خصمًا استراتيجيًا معقدًا، يملك أوراق قوة متعددة، ويجبر تل أبيب على التروّي، بينما الفلسطينيون في غزة يدفعون وحدهم ثمن الحسابات السياسية والعسكرية الإسرائيلية.