رغم الغارات المكثفة التي تشنّها إسرائيل على اليمن، لا تزال جماعة الحوثيين توجه ضرباتها الصاروخية والطائرات المسيّرة نحو أهداف إسرائيلية، في إطار دعمها لمعركة “إسناد غزة”. وهو ما يثير تساؤلات جدية حول فشل تل أبيب في تحييد هذه الجبهة المقلقة.
ضربات عالية الصوت.. بأثر ضعيف
يشير الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين إلى اختلال كبير في مفهوم الردع لدى إسرائيل، فالتكتيك الإسرائيلي المعروف تاريخيًا بضربات خاطفة وفعالة أصبح اليوم معقدًا، مكلفًا، وأقل تأثيرًا.
وبحسب “جبارين”، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية في اليمن، رغم زخمها الإعلامي، لم تنجح في كبح جماح الحوثيين أو منعهم من مواصلة هجماتهم.
الحوثيون: ضربات متواصلة ورسائل واضحة
أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، تنفيذ أربع عمليات ضد أهداف إسرائيلية، باستخدام صواريخ فرط صوتية وطائرات مسيّرة.
وأكد الحوثيون أنهم يسعون لفرض حظر جوي كامل على مطار بن غوريون، بعد نجاحهم في إحداث إرباك جزئي.
من جانبه، يرى الخبير العسكري العميد عابد الثور، أن هذه الضربات تُظهر امتلاك الحوثيين لقدرة عسكرية متطورة، وأن الصناعات العسكرية المحلية لديهم باتت مصدر قلق حقيقي لتل أبيب.
فشل استخباراتي وردع غائب
يرى “جبارين” أيضا أن إسرائيل عالقة في اليمن بين أولوية الردع وبين الأجندة السياسية الداخلية للائتلاف الحاكم، حيث يسعى وزراء كسموتريتش وبن غفير إلى الحفاظ على صورة القوة، دون امتلاك الأدوات الفعلية لذلك.
في المقابل، صواريخ الحوثيين ـ حسب الباحث لقاء مكي ـ لم تُحدث فقط إرباكا عسكريًا، بل أصابت إسرائيل في صميم صورتها كقوة إقليمية متفوقة.
تكاليف متزايدة وضغط على نتنياهو
يؤكد لقاء “مكي” أن الهجمات الحوثية تزيد من تكلفة الحرب على غزة، وتفرض ضغطًا إضافيًا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تحديات متصاعدة على أكثر من جبهة.
بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فقد أطلق الحوثيون 43 صاروخًا باليستيًا و10 طائرات مسيّرة منذ منتصف مارس، في إشارة إلى استمرار القدرة على توجيه ضربات متكررة ومنظمة.
غارات إسرائيلية غير فعالة
رغم شن إسرائيل عدة غارات جوية على اليمن، خاصة في مايو/أيار، والتي استهدفت مطار صنعاء وميناء الحديدة، إلا أن تأثيرها كان محدودًا، ويؤكد عابد الثور أن هذه الضربات طالت منشآت مدنية واقتصادية، لكنها لم تردع الحوثيين عن مواصلة التصعيد.
على صعيد الموقف الأميركي، يشير “مكي” إلى أن واشنطن لم تقدم ردًا مباشرًا على ضربات الحوثيين ضد إسرائيل، بل تسعى لإبقاء الضغط قائمًا على نتنياهو دون الانخراط في مغامرة جديدة. ويضيف أن واشنطن تعلم أن التصعيد في اليمن قد يجرها إلى مستنقع جديد، لا ترغب في التورط فيه.
إسرائيل في مأزق متعدد الأبعاد
بين العمى الاستخباراتي، والعجز عن الردع، والضغوط السياسية الداخلية، وبين جبهة جنوبية مستعصية على التحييد، يبدو أن إسرائيل تعاني من مأزق مركب في تعاملها مع اليمن، فالضربات الحوثية لا تُحدث فقط أضرارًا مادية أو أمنية، بل تساهم في إعادة رسم معادلات الردع الإقليمي، وتكشف هشاشة التفوق الإسرائيلي في أكثر لحظاته حساسية.