في ظل تصاعد التوتر في قطاع غزة واستمرار الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، أعلنت هيئة البث العامة الإسرائيلية، الإثنين، أن المجلس الوزاري الأمني المصغر وافق على خطة لتوسيع تدريجي للعمليات العسكرية في القطاع. هذا القرار يأتي في توقيت حساس ويعكس تحوّلًا في الاستراتيجية الإسرائيلية قد تكون له أبعاد عميقة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل على مستقبل القطاع برمّته.
الضغط العسكري والسياسي الداخلي
الحكومة الإسرائيلية تتعرض لضغط متزايد من الداخل، خصوصًا من القوى اليمينية المتشددة، التي تطالب بحسم المعركة مع حماس بشكل نهائي. هناك إدراك متزايد داخل دوائر القرار الإسرائيلي بأن الضربات المحدودة والمتفرقة لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، سواء على صعيد “ردع” حماس أو استعادة الرهائن، ما دفع باتجاه التفكير في تصعيد أوسع.
من اللافت أن التوسيع العسكري مرهون بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما يعكس أن القرار مرتبط باعتبارات سياسية ودبلوماسية. بالتزامن مع ذلك، تستمر جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وصفقة لتبادل الرهائن، ما يعني أن التهديد بالتصعيد قد يكون ورقة ضغط لتحسين شروط التفاوض لصالح إسرائيل.
إعادة السيطرة على توزيع المساعدات
ربطت إسرائيل القرار العسكري بإصلاح آلية إيصال المساعدات لغزة، متذرعة بأن حماس تقوم بتحويل جزء منها لصالح جناحها العسكري. هذه الحجة تُستخدم لتبرير الحصار الطويل، الذي اعتُبر من قبل منظمات دولية وسيلة “لتجويع” السكان. إعادة فتح المساعدات بهذه الشروط يُظهر أن إسرائيل تريد فرض نظام رقابة مشدد داخل القطاع، حتى لو عبر أدوات غير مباشرة.
هذا السؤال محوري للغاية، ويتردد كثيرًا في الأوساط الفلسطينية والدولية. ورغم غياب اعتراف رسمي أو وثائق واضحة تثبت وجود خطة مكتوبة تهدف إلى “تدمير غزة بالكامل”، إلا أن هناك عددًا من المؤشرات التي تجعل هذا السيناريو محل جدل وتحذير.
التدمير الواسع للبنية التحتية
منذ بداية الحرب، استهدفت إسرائيل بشكل مكثف المنشآت الحيوية في غزة، بما في ذلك المستشفيات، الجامعات، البنية السكنية، والأسواق. هذا النمط من الاستهداف لا يمكن تفسيره فقط بأهداف عسكرية آنية، بل يوحي بسعي لإحداث شلل طويل الأمد في قدرة غزة على التعافي.
إغلاق المعابر ومنع إدخال المواد الغذائية والطبية لأكثر من شهرين يعزز المخاوف من أن هناك سياسة ممنهجة لتركيع السكان وإجبارهم على النزوح. الاتهامات باستخدام التجويع كسلاح أصبحت أكثر من مجرد ادعاءات، بل موضع تحقيق دولي.
العديد من التصريحات الرسمية وغير الرسمية من الجانب الإسرائيلي روجت لفكرة “الخروج الآمن للمدنيين”، بل تحدثت بعض الأصوات المتطرفة عن نقل سكان غزة إلى مناطق أخرى، بما في ذلك سيناء المصرية. ورغم الرفض المصري الرسمي لذلك، إلا أن مجرد تداول الفكرة في الخطاب السياسي يكشف عن نوايا مقلقة.
التحولات الديمغرافية والخرائط المستقبلية
هناك مخاوف متزايدة من أن إسرائيل تسعى لإحداث تغيير ديموغرافي في القطاع عبر التهجير القسري، وربما تقسيم القطاع إلى مناطق “آمنة” تخضع لرقابة دولية أو سلطة فلسطينية غير تابعة لحماس. هذا السيناريو، إن تم، سيغيّر ملامح غزة جذريًا.
القرار الإسرائيلي بتوسيع الهجوم لا يمكن قراءته بشكل معزول عن السياق السياسي الأوسع، سواء على صعيد التفاوض مع حماس، أو العلاقات مع الولايات المتحدة، أو الصراعات داخل إسرائيل نفسها. ومع استمرار العمليات العسكرية واسعة النطاق، والتضييق على السكان، وتجميد المساعدات لفترات طويلة، يزداد القلق من أن هناك استراتيجية عميقة تهدف إلى إضعاف غزة لدرجة يصعب معها إعادة بنائها أو الحفاظ على هويتها الاجتماعية والسياسية.
هذه التطورات تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبيرة، ليس فقط لمنع انهيار إنساني واسع، بل للحفاظ على أي أمل في استقرار دائم في المنطقة.