نداء الاستغاثة الذي أطلقه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، ليس مجرد بيان عاطفي صادر عن شخصية سياسية، بل هو صرخة سياسية – قانونية موجهة إلى الضمير البرلماني العالمي، يضع فيها المجالس التشريعية الدولية أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية، في لحظة إنسانية فارقة تشهد فيها غزة انهيارًا شبه كامل في كل مقومات الحياة.
غير أن الواقع حتى الآن يكشف عن ضعف استجابة البرلمانات الدولية لهذا النداء، سواء على مستوى التشريعات الفعلية، أو التحركات الدبلوماسية والرمزية، أو الضغط على الحكومات وصنّاع القرار. فعلى الرغم من وضوح الرسالة وشمولية الجهات المخاطبة – من البرلمان الأوروبي إلى البرلمان العربي والإسلامي والإفريقي – لم تُسجَّل استجابة ذات وزن من أي من هذه الأطر بما يوازي حجم الكارثة.
العجز السياسي العربي
البرلمان الأوروبي، رغم ما يحمله من ثقل قانوني وسياسي، اكتفى ببعض البيانات العامة والمواقف الرمزية، دون أن يصدر أي قرار ملزم يضغط على الحكومات الأوروبية لتغيير مواقفها تجاه الحرب أو المساعدات أو فرض قيود على صادرات الأسلحة. حتى التصريحات التي تُدين “الاستخدام المفرط للقوة” لم تترجم إلى أدوات مساءلة حقيقية داخل الاتحاد الأوروبي.
أما البرلمانات العربية، فعلى الرغم من المواقف التضامنية الواضحة، بقي أداؤها في حدود الخطاب دون إجراءات عملية. لم تُخصص صناديق إغاثة طارئة من ميزانياتها، ولم تُفعّل أي أدوات برلمانية لتقديم الدعم عبر لجان خاصة أو جلسات طارئة فاعلة. وهذا التباين بين الخطاب والممارسة يعكس عمق العجز السياسي العربي في التعامل مع العدوان الإسرائيلي، حتى ضمن المؤسسات التمثيلية.
ضغوط سياسية
البرلمان الإسلامي والاتحاد البرلماني الآسيوي والأفريقي لا يزالون يتحركون في دوائر بروتوكولية، يُصدرون بيانات ويعقدون لقاءات دون أن يمتلكوا آليات تنفيذ فاعلة على الأرض. بل إن كثيرًا من هذه المؤسسات لم تعقد جلسات طارئة رغم تصاعد الأزمة وتوسع المجازر.
غياب الاستجابة ليس نتيجة غياب المعلومة، بل نتيجة غياب الإرادة، أو خضوع البرلمانات لضغوط سياسية تمنعها من اتخاذ قرارات حازمة. فمعظم هذه البرلمانات ترتبط بالحكومات، وتبقى أولوياتها مقيدة بسياسات دولها، ما يجعل نداءات الاستغاثة الأخلاقية تُقابل ببيروقراطية صامتة أو تأجيل متعمد.
غزة في مواجهة آلة الإبادة
وفي ظل هذا الغياب الفعلي للتأثير البرلماني، تُترك غزة وحدها في مواجهة آلة الإبادة، ويصبح النداء الفلسطيني مرآة لفشل النظام التمثيلي الدولي في الوقوف إلى جانب القضايا الإنسانية عندما تمس شعبًا ضعيفًا لا يملك أوراق ضغط.
بهذا الشكل، يتحول النداء البرلماني من أداة إنقاذ إلى وثيقة إدانة للعجز، وتذكير دائم بأن كثيرًا من المؤسسات التي ترفع شعار “تمثيل الشعوب” تقف صامتة حين تُباد الشعوب في الواقع.