تهيمن أجواء من الترقب والحذر على الساحة الليبية، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب نيته طرح خطة جديدة لحل الأزمة السياسية والعسكرية في ليبيا.
ورغم غياب التفاصيل، أثار حديث ترمب ومستشاريه عن «تسوية سلمية» شاملة اهتماماً واسعاً، لا سيما في ظل استمرار حالة الجمود السياسي والانقسام المؤسساتي، الذي يتفاقم منذ أكثر من عقد.
هل يحمل ترمب «تغييراً جذرياً»؟
يشير محللون إلى أن مقاربة ترمب قد تكون مختلفة كلياً عن المسارات الأممية التقليدية التي لم تثمر نتائج حاسمة، ويقول فيصل الفيتوري، رئيس الائتلاف الليبي – الأميركي، إن واشنطن ربما تتجه لتعيين مبعوث خاص بصلاحيات واسعة، يتولى مهمة إعادة هيكلة المشهد السياسي بالكامل، من خلال تجميد المؤسسات الحالية وتشكيل لجنة وطنية مستقلة.
ويشبه الفيتوري هذا التوجه بـ«مؤتمر الطائف» اللبناني، ويضيف: “ربما نرى تسوية دولية قائمة على العصا والجزرة… بمعنى ملاحقة معرقلي الاستقرار عبر محكمة الجنايات الدولية، مقابل الإفراج المشروط عن الأموال الليبية المجمدة لتمويل الحكومة الجديدة”.
مخاوف من الإقصاء والانحياز
لكن هذه الرؤية لا تحظى بالإجماع. إذ يرى أيوب الأوجلي، المحلل السياسي الليبي، أن واشنطن قد تتجه نحو تقوية طرف سياسي واحد وإقصاء آخرين، بدلاً من جمع الفرقاء كافة إلى طاولة واحدة، وهو سيناريو يُخشى أن يعمّق الخلاف بدلاً من حله.
الأوجلي يحذر من أن تعقيد الأزمة الليبية «يتجاوز مجرد التنازع على الشرعية»، ويتصل بصراعات إقليمية ودولية، يصعب تجاوزها بتسوية داخلية فقط.
رؤية براغماتية تقودها المصالح
في الجهة المقابلة، تقلل ربيعة بوراص، عضوة البرلمان الليبي، من فرص الإطاحة بالأجسام السياسية القائمة، معتبرة أن واشنطن، وتحديداً إدارة ترمب، قد تركّز على الصفقات الاقتصادية وضمان المصالح الأميركية أكثر من اهتمامها بقضايا الديمقراطية أو حقوق الإنسان.
وتضيف: “الخطة الأميركية لن تنجح إن لم تنبع من الداخل الليبي وتراعي تطلعات الشعب الليبي لبناء دولة موحدة ذات سيادة”.
النفوذ الإقليمي والدولي: عامل حاسم
يرى مراقبون أن أي خطة أميركية لن تنجح بمعزل عن التفاهم مع القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة الليبية، بدءاً من روسيا وتركيا، مروراً بمصر والإمارات، وصولاً إلى فرنسا وإيطاليا.
وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس أحمد الأطرش أن مفتاح الحل يكمن في توافقات أوسع على مستوى إعادة رسم خريطة النفوذ السياسي في ليبيا، قائلاً: “توجد قوى دولية تناوئ السياسة الأميركية تكتيكياً… وأي خطة تتجاهل مصالح هذه الأطراف ستُواجه بتعطيل مباشر أو غير مباشر”.
تشكيك في الجدية الأميركية
أما على الجانب الأميركي، فلا يتفق الجميع مع التفاؤل الليبي. إذ يرى بين فيشمان، العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، أن إعلان ترمب “ليس أكثر من تصريح عابر”، مستشهداً بغياب مستشاره مسعد بولس عن اجتماع برلين الأخير بشأن ليبيا.
ويضيف فيشمان: “لا توجد مؤشرات حقيقية على تحول جذري في سياسة واشنطن تجاه ليبيا… والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الليبيين باقية”.
اقتصادياً: لا تأثير مباشر للعقوبات
ورغم قرار ترمب الأخير بفرض رسوم جمركية على بعض الدول، من ضمنها ليبيا، فإن خبراء يرون أن تأثير ذلك محدود، ويؤكد الخبير الاقتصادي الليبي عمر زرموح أن ليبيا لا تُصدّر للولايات المتحدة سوى النفط الخام ومشتقات محدودة، كما أن النفط غير مشمول بالعقوبات، فيما يرى زرموح أن ليبيا قادرة على إيجاد أسواق بديلة بسهولة، لكون نفطها عالي الجودة.
بولس أمام اختبار حقيقي
إلا أن قرار القيود الجمركية وتقييد التأشيرات قد يعرقل مهمة مسعد بولس، مستشار ترمب المكلف بالملف الليبي، في البحث عن فرص استثمارية جديدة أو تنفيذ خطة اقتصادية ضمن التسوية السياسية.
بين الآمال الليبية والشكوك الأميركية، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة، بدءاً من تغيير جذري شامل، وصولاً إلى صفقة «براغماتية» تحفظ المصالح لا المبادئ.
ويبقى السؤال: هل ينجح ترمب في تحقيق ما فشلت فيه إدارات سابقة؟ أم أن ليبيا ستظل رهينة الحسابات الدولية والانقسامات الداخلية؟