في خضم الدمار والدماء التي تملأ غزة، وبين أصوات الانفجارات وأنين الجوعى، تتكشّف يومًا بعد يوم الحقيقة السياسية القاتمة لحرب إسرائيل على القطاع. هذه الحرب التي تدّعي فيها تل أبيب أنها تقاتل من أجل “أمنها”، تُظهر بوضوح أن الهدف الحقيقي ليس الرهائن، ولا حتى “الردع”، بل القضاء التام على حماس، ولو كان الثمن أرواح أبنائها المحتجزين خلف الحدود.
أحدث تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، وضعت النقاط على الحروف عندما قال “إعادة الرهائن ليست الهدف الأهم للحكومة.” تصريح إذاعي صادم، قاله بصوت هادئ، لكنه دوّى كالقنبلة في الداخل الإسرائيلي، خصوصًا بين عائلات الرهائن الـ59، الذين لا يزالون في غزة، ومنهم فقط 24 يُعتقد أنهم أحياء.
هوس القضاء على حماس
هذه الكلمات لم تكن زلة لسان، بل اعتراف رسمي بأن الحكومة الإسرائيلية تتعمد تغليب أجندتها العسكرية والسياسية على سلامة مواطنيها، وهي تمضي في حربها، مدفوعة بهوس “القضاء على حماس”، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بمن يفترض أن يكونوا “أغلى أبنائها”.
منذ السابع من أكتوبر، لم يكن واضحًا تمامًا كيف تنوي إسرائيل إنهاء هذه الحرب. لكن مع الوقت، وبتكرار التصريحات من مسؤولين في الحكومة – بمن فيهم نتنياهو وسموتريتش وبن غفير – تبلورت الرؤية في القضاء على حماس، كتنظيم وسلطة ومقاومة. بالإضافة إلى فرض واقع جديد على غزة، إمّا بالاحتلال المباشر أو بحكم عسكري غير مباشر. وتفريغ القطاع من سكانه عبر الضغط الإنساني والتهجير القسري.
وهذا المشروع، كما يبدو، لا يتسع لأي رهائن ولا أي اعتبار إنساني. إسرائيل تمارس حرب استنزاف شاملة، تعرف أنها لن تعيد كل الرهائن، لكنها تراهن على “انتصار رمزي” يتمثل في تدمير بنية حماس السياسية والعسكرية، حتى لو كانت كلفة ذلك عشرات آلاف القتلى، ومنهم أبناؤها الأسرى.
صدمة عائلات الرهائن
هنا يكمن التناقض الفجّ، فهي دولة تدّعي أنها وُجدت لحماية اليهود، لكنها تضحي باليهود أنفسهم لأجل حربها السياسية، ويعيش عائلات الرهائن اليوم في صدمة: “الدولة تخلّت عنهم”. فضلا عن أنهم أدركوا أن الحكومة تستخدم ملفهم كورقة مساومة إعلامية، لا أكثر. بينما تمضي الطائرات في القصف، وتُغلق أبواب التفاوض، فقط لأن حماس ترفض التسليم الكامل والاستسلام.
والأخطر؟ أن هذه الحكومة المتطرفة لا تخفي ذلك. فهي ترى في إنهاء الحرب دون سحق المقاومة “هزيمة”، حتى لو كانت الوسيلة الوحيدة لإعادة الرهائن هي اتفاق تبادل وهدنة شاملة.
اليوم، الرهائن في غزة ليسوا فقط مخطوفين من قبل حماس، بل أيضًا مخطوفين من قبل أجندة الحكومة الإسرائيلية، التي قررت أنهم قابلون للاستغناء، إذا ما تعارضت حياتهم مع مشروعها الحربي الأكبر.
التاريخ، كما قالت عائلاتهم، سيتذكّر هذه اللحظة جيدًا. سيتذكّر كيف أغلقت حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير قلوبها وعقولها، وفضّلت الحرب على السلام، والتوسع على الإنسانية، والقصف على التفاوض.