في قلب أزمة إنسانية متفاقمة يعيشها قطاع غزة المحاصر، برزت مؤسسة تُدعى «مؤسسة إغاثة غزة»، في مشهد بدا إنساني المظهر، لكنه أثار عاصفة من الشكوك والتحقيقات. ورغم تسويق هذه المؤسسة ككيان مدني إنساني مدعوم أميركيًا، إلا أن تحقيقات صحفية دقيقة وتصريحات من داخل غزة وخارجها تكشف جانبًا مختلفًا تمامًا؛ جانب يتجاوز الإغاثة إلى مشروع أمني-سياسي يحمل بصمات إسرائيلية واضحة.
صفعة للخطاب الإنساني
في ظاهر الأمر، تعلن المؤسسة عن نية توزيع مساعدات عاجلة إلى سكان القطاع، مع وعد بالتوسع السريع خلال أسابيع. غير أن استقالة المدير التنفيذي للمؤسسة، جيك وود – وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية – جاءت كصفعة لهذا الخطاب الإنساني، حيث أشار بوضوح إلى فشل المؤسسة في الالتزام بمبادئ الحياد والاستقلالية والنزاهة، وهو ما جعله ينسحب حفاظًا على القيم الإنسانية، حسب وصفه.
هذا التحول في مسار المؤسسة من الداخل يدفعنا للنظر إلى ما هو أعمق من المساعدات. فتصريحات وزارة الداخلية في غزة ونتائج تحقيقات صحيفتي هآرتس ونيويورك تايمز تفضح ارتباطًا وثيقًا بين مؤسسة إغاثة غزة والحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ليس فقط من ناحية التمويل، بل في البنية التحتية والتشغيلية للمؤسسة، التي يديرها شخصيات ذات خلفيات أمنية وتجارية إسرائيلية.
التأثير على التركيبة السكانية
وفقاً لما نُشر، المؤسسة ليست سوى ستار جديد، أُنسج بعناية، لتنفيذ أهداف غير معلنة. أول هذه الأهداف يتمثل في جمع معلومات استخباراتية دقيقة داخل قطاع غزة، تحت غطاء توزيع المساعدات، باستخدام تقنيات حديثة. أما الثاني، فهو محاولة التأثير على التركيبة السكانية في القطاع عبر إجبار المواطنين على التنقل نحو مناطق بعيدة لاستلام المساعدات، ما يُفسّر على أنه خطة ناعمة لإعادة توزيع السكان أو حتى التمهيد للتهجير.
وعلى الرغم من محاولات نفي ذلك من قِبل بعض المسؤولين الأميركيين، إلا أن الحقائق المتراكمة تدفع نحو يقين بأن ما يجري ليس مجرد عمل إغاثي تقليدي. بل هو مشروع إسرائيلي ذو طابع أمني بحت، يُدار بواجهات أميركية بهدف كسب الغطاء الدولي والشرعية، وسط تمويل “غامض” وانتقادات تتزايد من جهات حقوقية وإنسانية.
ستار لتوسيع النفوذ
بالتالي، الغرض الأساسي من “مؤسسة إغاثة غزة”، كما يبدو من كافة المعطيات، ليس الإغاثة بقدر ما هو استخدام لواجهة إنسانية من أجل تنفيذ سياسات أمنية وإستراتيجية لإسرائيل داخل غزة. المساعدات هنا ليست سوى وسيلة للتغلغل، لا وسيلة للنجاة. والمؤسسة تُستغل كستار لتوسيع النفوذ تحت شعارات الرحمة والإنسانية، في حين تُدار خلف الستار من مراكز القرار الأمني والسياسي في تل أبيب.
في هذا السياق، يتعيّن على المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية الحقيقية أن تراجع موقفها، وتطرح تساؤلات جدية حول أخلاقيات العمل الإغاثي عندما يتحول إلى أداة سيطرة واختراق، بدلًا من أن يكون طريقًا للنجاة والكرامة.