وعَد الرئيس الكونغولي السابق جوزيف كابيلا بالعودة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد غياب دام سنتين.
لكن السؤال المُثَار هنا: كيف سيكون تأثير عودة كابيلا على المنطقة التي مزَّقتها الحرب؟ فقد استولى متمردو حركة 23 مارس -بدعم من رواندا- على أراضٍ في شرق البلاد الغني بالمعادن، وأجبروا مئات الآلاف على مغادرة منازلهم؟
لماذا غادر جوزيف كابيلا جمهورية الكونغو الديمقراطية؟
تولى كابيلا رئاسة البلاد في 2001م، وبقي في السلطة قرابة 20 عامًا. وانتهت ولايته الدستورية الثانية والأخيرة في ديسمبر 2016م، لكنَّه رفض التنحي عن السلطة، ما أدَّى إلى تظاهرات دامية.
تمكَّن كابيلا من البقاء في السلطة لمدة عامين إضافيين قبل الموافقة في النهاية على التنحّي في عام 2018م؛ بعد الانتخابات التي أُجريت في ديسمبر 2018م.
وسلَّم السلطة، في يناير 2019م، إلى خليفته فيليكس تشيسيكيدي. وفي عام 2023م، غادر كابيلا جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقالت المتحدثة باسمه، باربرا نزيمبي، مرارًا: إن ذلك لأسباب أكاديمية.
غير أن جوزيف هاموند، زميل ديدوف في الاتحاد الإفريقي، يرى أن المسار السياسي لـ كابيلا لا يمكن أن يستمر إذا ظل في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعليه فإن مغادرته كانت خطوة إستراتيجية؛ فقد استلهم من كتاب أفكار والده لوران كابيلا، فاتجه شرقًا، أعتقد أنه غادر جمهورية الكونغو الديمقراطية في محاولة لمواصلة مسيرته السياسية بوسائل أخرى.
إلى أين توجّه؟
قال كابيلا: إنه ملتزم ببرنامج أكاديمي للدراسات العليا في جامعة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا. وتمكَّن في يناير 2024م من مناقشة أطروحته الدكتوراه حول (الجغرافيا السياسية للعلاقات الإفريقية مع الولايات المتحدة والصين وروسيا) في جامعة جوهانسبرغ.
في أثناء وجوده خارج جمهورية الكونغو الديمقراطية، زار كابيلا أيضًا عدة بلدان إفريقية أخرى، بما في ذلك إثيوبيا؛ حيث التقى بزعيمي المعارضة مويس كاتومبي وكلوديل لوبايا في أديس أبابا. أما في ناميبيا فقد حضر جنازة الرئيس المُؤسِّس لناميبيا، سام نوجوما.
كيف كانت الأوضاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية عند مغادرة كابيلا؟
بدأت حركة 23 مارس في الظهور من جديد، في نهاية عام 2021م، وواصلت إحراز تقدُّم إستراتيجي اكتسب زخمًا في عامي 2023 و2024م، وفي وقت سابق من هذا العام، واصل متمردو حركة 23 مارس تقدمهم السريع، وسيطروا على مدينتين رئيسيتين هما غوما وبوكافو.
ووفقًا للسلطات الكونغولية؛ فقد قُتِلَ ما لا يقل عن 8500 شخص منذ تصاعُد القتال في يناير الماضي. ووفقًا للأمم المتحدة، هناك 5.6 مليون كونغولي نازح داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية، بما في ذلك أكثر من 4 ملايين في المقاطعات الشرقية فقط في كيفو الجنوبية وكيفو الشمالية وإيتوري.
وفي شهر ديسمبر الماضي 2024م، انهارت محادثات السلام التي توسَّطت فيها أنغولا بعد أن طالبت رواندا حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية بالتحدث مباشرة إلى حركة 23 مارس. لكن على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة؛ فقد رفضت القيادة في كينشاسا إجراء محادثات مباشرة مع المتمردين.
وفي مقابلة مع “البي بي سي”، قالت رئيسة وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية، جوديث سومينوا تولوكا: إن حكومتها ترغب في التفاوض مع رواندا المجاورة، التي تتهمها بدعم حركة 23 مارس.
وفي مارس الماضي، دعا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي إلى “وقف فوري لإطلاق النار” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد محادثاتهما المباشرة في قطر.
لماذا يرغب كابيلا في العودة؟
قال جوزيف كابيلا في بيان مكتوب: “إن عودته تأتي بدافع الرغبة في المساهمة في حلّ الأزمة المؤسسية والأمنية المتفاقمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
قال أيضًا لمجلة “جون أفريك الناطقة بالفرنسية”: إنه يريد “لعب دور في البحث عن حلّ بعد 6 سنوات من التقاعد الكامل وسنة في المنفى”. لكن هناك تكهنات كثيرة بأنه قد يكون لديه دوافع أخرى.
ومن جانبه، اتهم تشيسيكيدي علنًا كابيلا بدعم متمردي حركة 23 مارس والتحالف الفلمنكي للكونغو، وهو منظمة سياسية تضم حركة 23 مارس، ونفى كابيلا هذا الاتهام.
قال “بن رادلي” الخبير الاقتصادي السياسي والمحاضر في التنمية الدولية في جامعة “باث” لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”: “إن كابيلا على علاقة بالمتمردين”.
وأضاف: “يشير بعض المحللين إلى أن كورنيل نانغا زعيم حزب “ايه اف سي”، الرئيس السابق للانتخابات في عهد كابيلا والحليف المقرب من كابيلا، يشير إلى أن كابيلا قد يكون متورطًا بشكل وثيق مع التمرد أكثر مما يُصرّح به”.
علاوةً على ذلك، فإن الاستمرارية التاريخية مع مسيرة والده لوران كابيلا -الذي دخل الكونغو أيضًا من الشرق في أواخر تسعينيات القرن الماضي ليتولى أخيرًا منصب الرئاسة-، حاضرة أيضًا في أذهان العديد من الكونغوليين.
كيف سيكون تأثير عودة كابيلا؟
عودة كابيلا مثيرة للجدل بالتأكيد، ولم تحظَ بالترحيب من جانب القيادة في كينشاسا. قالت وزيرة الخارجية، تيريز كايكوامبا واغنر، مؤخرًا: إن الحكومة الكونغولية لا تحتاج إلى مشاركة كابيلا لحل الأزمة الأمنية في شرق البلاد.
ووفقًا لجوزيف هاموند، عضو برنامج “آي دوف” التابع للاتحاد الإفريقي، قد تؤدي عودة كابيلا إلى إحلال السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ نظرًا لأنه لا يزال يتمتع بشعبية في بعض أنحاء البلاد، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى تفاقم الأزمة السياسية الأوسع في البلاد.
وأضاف: “أعتقد أن لديه القدرة على التفاوض للتوصل إلى اتّفاق سلام مع حركة 23 مارس؛ إذا كان ذلك ضمن أهدافه، لكنني أعتقد أنه يرى أن قضية حركة 23 مارس فرصة بالنسبة له لإعادة تأكيد نفسه في المستقبل السياسي لجمهورية الكونغو الديمقراطية على مستوى عالٍ جدًّا. وأقرّ بأن كابيلا يتمتع بنفوذ سياسي وعلاقات كافية للمساهمة في إقامة حوار بين الحكومة والمتمردين”.
وأكد أن “كابيلا انتقد تشيسيكيدي علنًا منذ أن ترك السلطة، ومن غير الواضح ما إذا كان تشيسيكيدي على استعداد للمشاركة في مثل هذه المحادثات بوساطة كابيلا أم لا”.