أبلغُ درسٍ كشفته المحادثات الإيرانية مع الجانب الأميركي في سلطنة عُمان هو الحقيقة الكامنة وراء الشعارات الزائفة التي كانت ترفعها الجمهورية الإسلامية في تصدير “المقاومة”، تمامًا كما أرادت أن تُصدّر الثورة الإسلامية إلى دول الجوار. مباحثات عُمان فضحت حقيقة نظام مستعدٍّ أن يحرق دولًا ويُبيد شعوبًا ويدوس على جماجم أبنائها من أجل أن تستمر سردية السلطة.
في حوارٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، لا فرق، جلست طهران مع “الشيطان الأكبر” وجهًا لوجه للتباحث في مسألة نفوذها. ها هو الموعد قد أزف ليؤكد للمخدوعين من أبناء جلدتنا بشعاراتهم التي كانوا يرفعونها بأنهم سيرمون إسرائيل في البحر، لكنهم اليوم يجلسون مع حليف إسرائيل وحامي جبروتها.
تخيلوا أن أحد قادة الميليشيات الذين لا يزالون يؤمنون بهيبة إيران ونفوذها، قال في إحدى اللقاءات التلفزيونية إن الحرب إذا اندلعت بين العراق وإيران فسيقف إلى جانب الجارة الشرقية ضد العراق، وكأنه يخبرنا بأنه إيراني أكثر حبًّا لبلاد السجاد من الإيرانيين على بلدهم.
لعبة القط والفأر
أكثر من عقدين مرا على احتلال العراق، وظلت إيران وأذرعها في المنطقة تعارض أيّ وجودٍ لشركات أميركية أو غربية على أرضه. استمرت إيران تتلاعب ببغداد في أزمة الكهرباء حتى أصبحت أزمة لا تنتهي تستنزف ثروات العراقيين وأموالهم التي تُهدر في استيراد الغاز الإيراني الذي يُشغّل محطاتهم الكهربائية، من أجل نهب المليارات من الدولارات التي كانت تكفي لإنشاء العشرات من المحطات الكهربائية، لكنه الابتزاز بنوعيه السياسي والاقتصادي.
أي نفاق وخديعة يمكن الحديث عنهما حين تطلب إيران من الشركات الأميركية الاستثمار على أرضها بمشاريع تُقدَّر بأربعة تريليونات دولار، في حين كانت ترفض أن تعمل هذه الشركات في العراق. يساورنا شعورٌ غريبٌ في بعض الأحيان أن الولايات المتحدة وإيران تلعبان لعبة القط والفأر لابتزاز العرب.
النفوذ الإيراني
هل كانت مصادفة وصول أكبر وفد تجاري أميركي إلى العراق ضم أكثر من 100 شخصية تمثل نحو 60 شركة كبرى لتنفيذ مشاريع حيوية في قطاع الطاقة، الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، قبل أيامٍ من عقد المباحثات بين طهران وأميركا؟
وربما يكون السؤال بصيغة: هل حان الوقت لمغادرة النفوذ الإيراني الأرض العراقية وانتهاء دوره في هذا البلد؟
بين تفاؤلٍ وتشاؤمٍ يتخبط المواطن العراقي في سيناريوهات مستقبله، فلا يزال الوضع غامضًا. فليتهم يتعلّمون الدرس قبل فوات الأوان وقبل أن يصبحوا حطبًا يُدفع بهم من أجل مكاسب ومغانم أكبر لصالح الجارة الشرقية.
إيران تفاوض على أمنها واستقرارها، فلماذا تُنكر على العراقيين هذا الحق؟ ولماذا يكون القرار إيرانيًّا بالمطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق؟ ليتهم يفهمون الدرس جيدًا مما حصل في لبنان وسوريا وما سيحصل في اليمن من قتلٍ وتدميرٍ وتشريدٍ من أجل أن تفاوض إيران على مصالحها ومغانمها، لتتركهم جثثًا متفحمةً ومباني مهدمةً وأرضًا محروقة.
عورة أدعياء المقاومة
مفاوضات عُمان بين الإيرانيين والأميركيين فضحت عورة أدعياء المقاومة الذين ورطوا شعوبهم بمغامراتٍ ونزواتٍ كانوا فيها أول الخاسرين.
ستتنازل إيران إن اضطرت في نهاية المطاف عن حلفائها في العراق من أجل نظامها السياسي، وستضحّي بهم في مذابح القرابين كما ضحت بغيرهم، وهو ما يُتوقَّع أن تُسفر عنه جولات المباحثات الأميركية – الإيرانية القادمة.
لا أدري ما جواب سؤالٍ يراودني عن مصير محور المقاومة فيما إذا فشلت المباحثات أو نجحت.