الوضع في قطاع غزة تجاوز مرحلة “الأزمة الإنسانية” ليصل إلى مستوى الكارثة الشاملة التي تهدد حياة ملايين البشر، وسط صمت دولي وعجز شبه كامل عن وقف التدهور المتسارع في جميع مناحي الحياة. إن تحذير خوسيه أندريس، مؤسّس منظمة “وورلد سنترال كيتشن”، من تفاقم أزمة الغذاء، يأتي كجرس إنذار أخير قبل الانزلاق إلى مجاعة فعلية قد تكون من أشد الكوارث الإنسانية في القرن الحالي.
حصار ممنهج
ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط نتيجة حرب، بل نتيجة حصار ممنهج ومتواصل منذ شهور، أصبح فيه الغذاء سلاحاً، والبقاء على قيد الحياة تحدياً يومياً. إعلان نفاد الدقيق من آخر المخابز التي تديرها المنظمة الإغاثية يكشف حجم المأساة. فالخبز، وهو الحد الأدنى من مقومات الحياة، أصبح سلعة نادرة في قطاع مكتظ بالسكان، ومحاصر من البر والبحر والجو.
الحرب الإسرائيلية، التي دخلت شهرها السابع، خلّفت دماراً شاملاً في البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والمستشفيات والمدارس. ومع تجاوز عدد الشهداء الـ52 ألفاً والمصابين أكثر من 118 ألفاً، يصبح السؤال الحقيقي: كيف لا تزال غزة تقاوم؟ كيف لا يزال الناس هناك على قيد الحياة؟
الممرات الآمنة مغلقة
الوضع الإنساني اليوم في غزة لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بالمشهد اليومي لعائلات بلا مأوى، أطفال يتضورون جوعاً، وطوابير طويلة على ما تبقّى من مراكز توزيع الغذاء، التي هي الأخرى بدأت تنضب. المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها “وورلد سنترال كيتشن”، لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، رغم جهودها الضخمة، لأن المساعدات لا تصل، والممرات الآمنة مغلقة أو محفوفة بالخطر.
أندريس في رسالته المباشرة إلى بنيامين نتنياهو لم يستخدم لغة دبلوماسية، بل حذّر بوضوح من أن الجوع لا يميز بين مدنيين أو رهائن، وأن الفوضى التي يسببها غياب الغذاء تهدد الجميع. هذا التحذير له بُعد سياسي بقدر ما هو إنساني؛ إذ يشير إلى أن تجاهل الأزمة قد يؤدي لانفجار اجتماعي أو أمني لا يمكن السيطرة عليه لاحقاً.
إخراج المجتمع الدولي
في السياق الأوسع، تفاقم المجاعة في غزة يُحرج المجتمع الدولي، خصوصاً بعد مقتل عدد من موظفي “وورلد سنترال كيتشن” في غارة إسرائيلية، ما دفع عدة منظمات إلى تعليق عملها. هذا التراجع في العمل الإنساني يهدد بفراغ كارثي لن يسده شيء سوى المجاعة والمرض.
ما نراه اليوم هو لحظة مفصلية: فإما أن يُفتح ممر إنساني فعّال ومستدام يُدخل الغذاء والدواء بشكل عاجل، أو أن يشهد العالم واحدة من أبشع صور المجاعة الجماعية في العصر الحديث، وسط عجز وصمت دولي غير مبرر.
الوضع لم يعد يحتمل الانتظار أو التفاوض السياسي. حياة أكثر من مليوني إنسان في غزة على المحك، ولا يمكن للعالم أن يدير وجهه بعيداً بعد الآن.