لم تعد مراكز توزيع المساعدات التي أقامتها السلطات الإسرائيلية في قطاع غزة الشهر الماضي مجرّد نقاط لتقديم الإغاثة، بل تحوّلت تدريجيًا إلى ساحات مفتوحة للخطر، مع تكرار حوادث استهداف المدنيين الذين يتجمّعون يوميًا من أجل الحصول على الغذاء والماء. وتشير شهادات ميدانية وتقارير طبية متطابقة إلى أن هذه المراكز باتت تشكّل مصدر تهديد مباشر لحياة السكان الذين لا يجدون بدائل أخرى وسط الانهيار الكامل في البنية الإنسانية للقطاع.
ارتفاع عدد الضحايا في جنوب القطاع
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فقد استشهد يوم أمس الإثنين 20 فلسطينيًا على الأقل، فيما أصيب أكثر من 200 آخرين، بينهم 50 إصابة وصفت بالخطيرة جدًا، نتيجة إطلاق نار مباشر من قبل قوات إسرائيلية على مدنيين تجمّعوا في إحدى نقاط المساعدات جنوب القطاع. وجرى نقل الجرحى والشهداء إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني في منطقة مواصي خان يونس، التي باتت تمثل آخر ملاذ نسبي للنازحين وسط القصف المتواصل.
آليات بديلة… لكن بثمن إنساني باهظ
إقامة إسرائيل لمراكز توزيع بديلة عن تلك التي تديرها الأمم المتحدة جاءت في سياق تدهور العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والمنظمات الدولية، ولا سيما “الأونروا”، التي تتهمها تل أبيب بالتواطؤ مع فصائل المقاومة. غير أن هذه البدائل لم تتمكن من توفير الحد الأدنى من الحماية للمدنيين، بل تحوّلت بحسب منظمات حقوقية إلى مصائد بشرية مكشوفة، مع تكرار مشاهد إطلاق النار على جموع المحتاجين في ظروف فوضوية.
التحول في طبيعة هذه المراكز من “نقاط إغاثة” إلى “مناطق اشتباك” يطرح تساؤلات جوهرية حول نجاعة هذه الآلية وجدواها من الأساس، خصوصًا في ظل غياب رقابة دولية مستقلة.
المدنيون بين كماشة الحاجة والخطر
يتكشّف واقع مروّع في غزة حيث يجد الآلاف أنفسهم أمام خيارين كلاهما مميت: المجاعة أو المجازفة في سبيل لقمة العيش. فالنزول إلى هذه المراكز يعني الدخول في دائرة الخطر، بينما البقاء في المنازل، التي هي في كثير من الأحيان مجرد أنقاض، يعني مواجهة الجوع والعطش بلا أفق. وبهذا، يتعاظم العبء الإنساني، ويتضاعف الشعور بالعجز لدى سكان القطاع الذين يعانون من حصار مزدوج: من الحرب ومن ندرة المساعدات