بينما يتحدث العالم عن حرية الأديان والتعايش، يُحاصر المسيحيون في فلسطين، خاصة في قطاع غزة والقدس الشرقية، تحت نير احتلال إسرائيلي لا يفرّق بين مسلم ومسيحي، القصف لا يستثني كنيسة، والحصار لا يرحم شيخًا ولا راهبًا… وكأن “درب الآلام” لم ينتهِ منذ ألفي عام.
كان عدد المسيحيين في غزة قبل عام 2006 يُقدّر بنحو 3,000 شخص، واليوم، لا يتجاوز العدد 800 شخص فقط، معظمهم كبار سن، نتيجة الهجرة القسرية بسبب الحرب، البطالة، والحصار.
خطر الانقراض المسيحي
وحسب تحذير القس منذر إسحاق “نحن أمام خطر الانقراض المسيحي في غزة، وقد يمتد ذلك للضفة الغربية إذا استمر القمع والتهجير”.
المستشفى الأهلي المسيحي في مدينة غزة تعرض مؤخرًا لقصف مباشر، رغم وضوح شعاره الديني وهويته الإنسانية، في الحرب الأخيرة، تم استهداف كنيسة القديس Porphyrius الأرثوذكسية، ما أدى إلى سقوط شهداء مسيحيين داخلها. كل ذلك دون محاسبة دولية أو حماية دينية، رغم أن دور العبادة محمية بموجب القانون الدولي الإنساني.
القس منذر إسحاق، من أبرز الأصوات المسيحية الفلسطينية، وقال: “نعيش الفصح ونحن نسير في درب آلام جماعي… لا طعام، لا دواء، لا كهرباء، وكلنا تحت التهديد بالتهجير”. كما أشار إلى أن العنف الإسرائيلي الحالي يُعيد تمثيل نفس العنف الذي قتل المسيح، وكأن التاريخ يعيد نفسه على نفس الأرض.
الوجود المسيحي.. ركيزة حضارية
المسيحيون الفلسطينيون ليسوا “أقلية طارئة”، بل هم جزء أصيل من النسيج الوطني، كنائس القدس وبيت لحم وغزة من أقدم الكنائس في العالم، وهي رمز عالمي للسلام.. لكن الاحتلال لا يراها إلا أهدافًا عسكرية. ومع ذلك، يُصرّ المسيحيون في فلسطين على البقاء رغم كل شيء، ويحتفلون بأعيادهم بالإيمان نفسه الذي حملوه منذ ألفي عام.
رغم مناشدات الكنائس، الغرب المسيحي صامت. أين من يدّعون حماية المسيحيين حول العالم؟ لماذا الصمت على قصف كنائس فلسطين وتهجير رهبانها وأهلها؟
الاعتداء على مسيحيي غزة والضفة ليس فقط انتهاكًا إنسانيًا، بل هو خطر وجودي على التنوع الفلسطيني. استمرار الاحتلال بهذا الشكل يعني أن فلسطين ستفقد أحد أقدم مكوّناتها الحضارية. إنقاذ الوجود المسيحي في فلسطين هو جزء من إنقاذ الهوية الفلسطينية ككل، من مسلمين ومسيحيين على حد سواء. فلسطين ليست فقط قضية أرض، بل أيضًا قضية شعب متنوّع، متجذّر، يعيش تحت الاحتلال… ويُعاني، ولكنه لا ينكسر.