أعلن وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الائتلاف الحكومي أوفير كاتس، الأربعاء، عن بدء تطبيق قانون مثير للجدل يتيح سحب الجنسية أو الإقامة من أي فلسطيني داخل الخط الأخضر يُدان بتنفيذ عملية، أو حتى يُشتبه في تأييده لها. البيان الرسمي أكد أن إسرائيل شرعت فعلياً بطرد أربعة أسرى فلسطينيين من مواطني الداخل، في حين يجري العمل على ملفات مئات آخرين ضمن “إجراءات قانونية” بدأت تفعيلها مؤخرًا.
البيان أشار إلى أن هذا المشروع، الذي أُقِرّ قبل أكثر من عام، كان يواجه ترددًا من المؤسسات الأمنية الإسرائيلية. لكن قرار وزير الدفاع بتجاوز هذا التردد ونقل المعلومات اللازمة لتطبيق القانون، يسلط الضوء على انتقاله من حيز السياسة إلى حيز التنفيذ الفعلي.
تعديل قانون المواطنة: بن غفير يحرك اليمين من جديد
القانون الذي أقره الكنيست في 15 فبراير/شباط 2023، جاء كنسخة معدلة من “قانون المواطنة” و”قانون الدخول إلى إسرائيل”، وصوّت لصالحه 95 عضوًا مقابل معارضة عشرة فقط. وتعود المبادرة الأصلية للعضو حانوخ ملفيتسكي عن حزب الليكود، رغم أن شخصية اليمين المتطرف إيتمار بن غفير كانت الأكثر ترويجًا له سياسيًا.
بموجب هذا القانون، يحق لوزير الداخلية الإسرائيلي سحب الجنسية من أي فلسطيني أُدين بعمل ضد الأمن الإسرائيلي، أو أظهر تأييدًا علنيًا له، بما في ذلك التعبير اللفظي أو الرمزي عن التماثل أو التشجيع. اللافت في التعديل أن العقوبة قد تطال أفراد عائلة المنفذ في حال توافرت “مؤشرات على معرفتهم المسبقة بالنوايا”، ما يفتح الباب أمام تطبيقات موسعة قد تصل إلى حد العقوبات الجماعية.
تحفظات قانونية وأمنية: المؤسسة القضائية تُحذر
رغم تمرير القانون بأغلبية ساحقة، فإن الجدل القانوني لم يتوقف. فقد أعربت المستشارة القضائية للحكومة عن تحفظها على الصيغة المعدلة، بينما رفضت المخابرات الإسرائيلية في البداية تطبيقه، لاعتبارات تتعلق بتأثيره على صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي.
كما أشار عدد من خبراء القانون الدولي إلى خطورة القانون، الذي قد يُعد انتهاكًا للمواثيق الدولية المتعلقة بعدم جواز سحب الجنسية بشكل تعسفي، خصوصًا من السكان الأصليين. وأكدت مؤسسة “ميزان” لحقوق الإنسان، في بيان رسمي، أن القانون يمثل انتكاسة لحقوق المواطنين العرب في الداخل، ويؤسس لمنهج عقابي عنصري يفتقر إلى الأسس القانونية السليمة.
توقيت سياسي: مناورات انتخابية في عباءة أمنية
القرار بتفعيل القانون الآن لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي في إسرائيل، حيث بدأت التحضيرات الانتخابية داخل حزب الليكود. ويرى مراقبون أن إصدار البيان المشترك بين الوزير كاتس ورئيس الائتلاف الحكومي لا يُفسر فقط برغبة الحكومة في إحكام قبضتها على الفلسطينيين، بل يحمل رسائل انتخابية داخلية تهدف إلى تعزيز مواقع قيادات الليكود في مواجهة أجنحة أخرى.
وهنا يبدو أن التصعيد القانوني بحق فلسطينيي الداخل بات وسيلة انتخابية، إذ يتم تقديم هذه القوانين كأوراق اعتماد في مزايدات اليمين المتطرف، الذي يزداد نفوذه في الحكومة الحالية، والتي تُعد من أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل.
أفق تشريعي مقلق: توجه لتقليص التمثيل العربي
لا يتوقف المسار التشريعي عند قانون سحب الجنسية فقط، إذ يستعد نواب من اليمين المتطرف لطرح سلسلة مشاريع قوانين أخرى تستهدف المواطنين الفلسطينيين في الداخل. ومن ضمن هذه المبادرات، محاولات لتقليص نسبة تمثيلهم في الكنيست عبر رفع نسبة الحسم، أو استخدام تهم “التعاطف مع الإرهاب” كذريعة لحظر أحزاب عربية أو منع مرشحين بعينهم من الترشح.
وتستند هذه الجهود إلى فرضية أمنية مشكوك فيها مفادها أن “العرب في الداخل يشكلون تهديدًا داخليًا”، وهي فرضية لطالما استُخدمت في الحملات اليمينية رغم رفضها المتكرر من قبل “محكمة العدل العليا” الإسرائيلية في مناسبات سابقة.
تقييم حقوقي وسياسي: تشريع يُرسّخ الفصل العنصري
يمثل هذا القانون امتدادًا لما يصفه الكثير من الحقوقيين بأنه نظام فصل عنصري مؤسسي. فبدلاً من محاكمة الجناة كأفراد بناءً على أفعالهم، يتم توسيع نطاق العقاب ليشمل عائلاتهم وحتى بيئتهم المجتمعية، بما يتعارض مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
ويأتي في وقتٍ تصاعدت فيه ممارسات القمع ضد الفلسطينيين في كافة المناطق، من الضفة الغربية إلى القدس إلى الداخل المحتل، مما يعكس سياسة ممنهجة لتجريد الفلسطينيين من الحقوق السياسية والمدنية عبر أدوات تشريعية وقانونية.