في خضم تحولات إقليمية متسارعة، جاء الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره التركي هاكان فيدان، ليؤكد على مواقف مصرية راسخة تجاه الأزمات في المنطقة، وفي مقدمتها الملف الليبي والكوارث الإنسانية المستمرة في قطاع غزة.
انتخابات ليبيا.. ضرورة لا تحتمل التأجيل
بحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية المصرية، شدد الوزير بدر عبد العاطي خلال الاتصال على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية بالتزامن وفي أقرب وقت ممكن، باعتبارها خطوة محورية نحو استعادة الاستقرار في البلاد، التي تعاني منذ سنوات من انقسام سياسي ومؤسساتي عميق.
وأكد “عبد العاطي” على تمسك مصر بموقفها الداعم لوحدة وسلامة الأراضي الليبية، وعلى ضرورة احترام الملكية الليبية الخالصة للعملية السياسية، بعيداً عن أي تدخلات خارجية قد تُعقّد المشهد أو تُطيل أمد الأزمة.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية والإقليمية للدفع نحو حل سياسي شامل، يُنهي حالة الجمود التي تعاني منها الساحة الليبية، ويمنح الشعب الليبي حقه في تقرير مصيره عبر صناديق الاقتراع.
غزة في قلب الحوار المصري – التركي
ولم تغب القضية الفلسطينية عن أجندة الاتصال، إذ تناول الوزيران آخر التطورات في قطاع غزة، الذي يشهد منذ أشهر تصعيداً عسكرياً غير مسبوق، أسفر عن سقوط آلاف الضحايا، وتفاقم أزمة إنسانية كبرى.
ووصف البيان المصري الوضع في غزة بـ”الكارثة الإنسانية”، محمّلاً الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية العدوان الغاشم المتواصل على القطاع، وأكد عبد العاطي أن القاهرة تواصل جهودها المكثفة على عدة مستويات، من أجل وقف إطلاق النار، وتأمين إطلاق سراح الرهائن والأسرى، بالإضافة إلى ضمان دخول المساعدات الإنسانية والطبية والإيوائية بشكل عاجل وآمن إلى السكان المحاصرين.
كما أشار الوزير إلى الدور الذي تلعبه مصر كوسيط فاعل في التهدئة، مستندة إلى علاقاتها الإقليمية، واتصالاتها مع مختلف الأطراف الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية.
تقارب متزايد بين القاهرة وأنقرة
الاتصال الهاتفي بين عبد العاطي وفيدان يعكس مرحلة جديدة من التقارب السياسي بين مصر وتركيا، في أعقاب سنوات من التوترات التي بدأت تنحسر تدريجياً خلال الفترة الأخيرة، في ظل ما يبدو أنه رغبة مشتركة في تعزيز التنسيق والتشاور بشأن قضايا المنطقة.
ويرى مراقبون أن تطابق وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة في ملفات حساسة مثل الأزمة الليبية والعدوان على غزة، يمثل تطوراً لافتاً في العلاقات الثنائية، قد يُترجم إلى خطوات تنسيقية أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة، سواء على مستوى الدبلوماسية متعددة الأطراف أو عبر الأطر الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
مصر تتمسك بثوابتها الإقليمية
يأتي هذا الحراك الدبلوماسي في إطار نهج مصري يركز على حماية الأمن القومي العربي، والحفاظ على وحدة الدول، ودعم الحلول السياسية السلمية للنزاعات. وهي رؤية تجد صدى لدى عدد متزايد من الدول، في ظل تعقّد المشهد الدولي، وتزايد التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
وفي ظل استمرار التصعيد في غزة، والتعثر السياسي في ليبيا، يبدو أن القاهرة تحرص على لعب دور الوسيط النشط والمسؤول، بالتنسيق مع عواصم إقليمية مؤثرة مثل أنقرة، لتقريب وجهات النظر وتجنب انزلاق الأوضاع إلى مزيد من الفوضى.
يُعد الاتصال المصري – التركي اليوم بمثابة رسالة مزدوجة: أولاً، دعم مصر الثابت لاستقرار ليبيا من خلال مسار انتخابي شامل؛ وثانياً، استمرار التزام القاهرة بالتحرك الفاعل لوقف المأساة الإنسانية في غزة. وبين السطور، تتضح ملامح محور إقليمي جديد أكثر انسجاماً، وأكثر استعداداً لتحمّل مسؤولياته في وجه الأزمات المتلاحقة.