في خطوة تعكس تعميق العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وموسكو، أعلنت الهيئة الاتحادية الروسية للرقابة البيطرية والصحة النباتية، الأربعاء، أن مصر تتطلع إلى زيادة مشترياتها من الحبوب الروسية، بما يتجاوز القمح ليشمل الذرة وفول الصويا، وذلك في إطار سعيها لتنويع مصادر الأمن الغذائي. جاء الإعلان بعد محادثات بين سيرجي دانكفرت، رئيس الهيئة الروسية، ومصطفى الصياد، نائب وزير الزراعة المصري، على هامش اجتماعات اللجنة المصرية الروسية للتعاون الفني والاقتصادي والتجاري في موسكو.
مصر تشتري المزيد من القمح الروسي رغم التحديات العالمية
تعد مصر أكبر مشترٍ للقمح الروسي، حيث شكلت شحنات القمح الروسي ما نسبته 74.3% من إجمالي واردات مصر من هذه السلعة الأساسية في عام 2024، وفقًا للإحصائيات الرسمية. وعلى الرغم من تراجع الصادرات الروسية من القمح عالميًا هذا الموسم، إلا أن البيانات الصادرة عن شركة “روساجروترانس”، إحدى أكبر شركات نقل الحبوب في روسيا، كشفت عن زيادة الصادرات الروسية إلى مصر بنسبة 15%، لتصل إلى 7.9 مليون طن، مما يؤكد عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في هذا القطاع.
ويعتبر القمح الروسي عنصرًا حيويًا في برنامج الدعم الحكومي المصري، الذي يضمن توفير رغيف الخبز المدعوم لملايين المواطنين. وبالتالي، فإن ضمان استمرار تدفق القمح الروسي بأسعار تنافسية يعد أولوية قصوى للحكومة المصرية، خاصة في ظل التقلبات التي يشهدها سوق الحبوب العالمي بسبب الأزمات الجيوسياسية وتغير أنماط التجارة الدولية.
توسيع قائمة الواردات: الذرة وفول الصويا على الطاولة
إلى جانب القمح، تدرس مصر زيادة مشترياتها من الذرة وفول الصويا الروسي، وهي سلع أساسية في صناعة الأعلاف الحيوانية والزيوت النباتية، مما يعكس سعي القاهرة لتنويع مصادر استيرادها في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الزراعية عالميًا.
من جهتها، أعربت روسيا عن استعدادها لتعزيز وارداتها من المنتجات الزراعية المصرية، مثل الموالح والبطاطس والبصل والأسماك والقشريات، في إطار توازن تجاري يحقق منفعة للطرفين.
مفاوضات لإنشاء محطات غاز مسال.. تعاون يتجاوز الزراعة
لم تقتصر المباحثات بين البلدين على القطاع الزراعي، حيث أكد أنطون عليخانوف، وزير الصناعة والتجارة الروسي، أن الجانبين يجرون محادثات لإنشاء محطات للغاز الطبيعي المسال (LNG) في مصر، في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة.
وتأتي هذه الخطوة في سياق استراتيجية مصر لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي لتجارة الغاز، خاصة بعد نجاحها في زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، بينما تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها في السوق الإفريقية عبر شراكات استثمارية وتقنية.
زيارة السيسي لموسكو.. خلفية سياسية للتعاون الاقتصادي
جاءت اجتماعات اللجنة المصرية الروسية بعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى موسكو، حيث شارك في احتفالات عيد النصر الروسي في الساحة الحمراء يوم 9 مايو/أيار، والتقى بنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وتُظهر هذه الزيارة، إلى جانب التطورات الاقتصادية الأخيرة، أن العلاقات المصرية الروسية تشهد مرحلة جديدة من التقارب، لا تقتصر على المجال العسكري والأمني، بل تمتد إلى التعاون الاقتصادي والاستثماري، في وقت تسعى فيه مصر إلى تنويع شركائها الدوليين، وروسيا إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
شراكة استراتيجية بآفاق متعددة
العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا تتجاوز علاقة بائع ومشترٍ لتتحول إلى شراكة متعددة الأبعاد تشمل الغذاء والطاقة والاستثمار. في الوقت الذي تواجه فيه مصر تحديات في ميزان المدفوعات وارتفاع فاتورة الواردات، فإن التعاون مع روسيا يمثل خيارًا استراتيجيًا لضمان استقرار سلاسل التوريد، بينما تقدم مصر لروسيا منفذًا مهمًا إلى الأسواق الإفريقية والعربية.
يبدو أن الزخم الحالي في العلاقات الثنائية سيتواصل، خاصة مع وجود إرادة سياسية من الطرفين لتحويل هذه المفاوضات إلى اتفاقيات ملموسة في القريب العاجل.