في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، تشهد السياسة الدفاعية المصرية تحولات جذرية تعكس رؤية استراتيجية جديدة تسعى للاستقلالية في القرار والسيادة في السلاح. وفي صلب هذه التحولات، تدور مفاوضات متقدمة بين القاهرة وباريس لشراء دفعة جديدة من مقاتلات “رافال” الفرنسية، تتضمن هذه المرة بندًا نوعيًا لنقل التكنولوجيا، في خطوة غير مسبوقة تسعى بها مصر لتعزيز قدراتها التصنيعية وتخفيف اعتمادها على الخارج.
مفاوضات بنكهة تصنيعية
بحسب موقع “تاكتيكال ريبورت” الاستخباراتي، فإن الصفقة المزمع توقيعها قبل نهاية العام الجاري قد تفضي إلى تصنيع مكونات من الرافال داخل مصر، ما يعزز إمكانات الصيانة والإنتاج المحلي، ويدفع نحو بناء قاعدة صناعية عسكرية متقدمة. ومع أن حادثة إسقاط ثلاث مقاتلات “رافال” هندية من قبل طائرة صينية من طراز “جي-10 سي” أثارت علامات استفهام حول كفاءة الرافال، إلا أن القاهرة تواصل مسارها التفاوضي بحذر، واضعة نصب عينيها معايير التصنيع والاستقلال التقني.
البدائل على الطاولة
وفي حال فشل المفاوضات مع الجانب الفرنسي، تمتلك مصر خيارات بديلة، أبرزها المقاتلة السويدية “جريبن” والمقاتلة الروسية “سوخوي-35″، إلا أن لكل خيار تحدياته، سواء في ما يتعلق بالتمويل أو بالضغوط السياسية الغربية. اللافت أن الصين ومقاتلتها “جي-10 سي”، التي أظهرت أداءً لافتًا، لم تكونا ضمن الحسابات المصرية، وهو ما قد يعكس تحفظات سياسية أو تقنية لم يُفصح عنها بعد.
مؤشرات التعاون مع بكين وإسلام آباد
ورغم غياب الطيران الصيني من خيارات القاهرة الرسمية، إلا أن تحركات عسكرية بين مصر وكل من الصين وباكستان أثارت تساؤلات حول طبيعة التعاون الدفاعي الجاري. فقد رُصدت مؤخرًا طائرات نقل عسكرية مصرية بين البلدين، ما أثار تكهنات حول نقل منظومات دفاع جوي متطورة مثل “HQ-9B”، والتي تقارن بالمنظومة الروسية “إس-400”. هذه التطورات تندرج في إطار مسعى مصري منهجي لتنويع مصادر التسلح وفك شفرة التقنيات الدفاعية الواردة من الخارج.
استقلال القرار السياسي في مواجهة الضغوط
التغيّر في العقيدة الدفاعية المصرية يتوازى مع تبدلات ملحوظة في تموضعها السياسي. فتوتر العلاقات مع واشنطن بات واضحًا، خاصة بعد رفض القاهرة الانخراط في أجندات أمريكية شملت نقل سكان غزة إلى سيناء، والمشاركة في التحالف البحري ضد الحوثيين، ورفض تقديم تسهيلات خاصة للسفن الأمريكية في قناة السويس.
وكان من أبرز المؤشرات الدبلوماسية إلغاء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى البيت الأبيض، مقابل استجابته لدعوة روسية لحضور احتفالات يوم النصر، في رسالة مزدوجة تعبّر عن استقلالية القرار وعن إعادة رسم أولويات التحالفات بما يخدم المصالح القومية المصرية.
سيناء على صفيح ساخن
وفي الجنوب، يستمر القلق المصري من النوايا الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، خصوصًا في ظل الحديث عن نوايا إسرائيلية لدفع آلاف الفلسطينيين نحو حدود رفح، ما دفع الجيش المصري إلى رفع مستوى التأهب العسكري على الحدود، كإجراء استباقي لأي تهديد محتمل للأمن القومي المصري.
معادلة جديدة للدور المصري
كل هذه التحركات، من صفقات السلاح إلى التموضع السياسي، ترسم ملامح استراتيجية مصرية متجددة تقوم على مرتكزات ثلاثة: تعزيز الصناعة الدفاعية، تنويع الشركاء الدوليين، والتشدد في حماية السيادة الوطنية. إنها معادلة صعبة في منطقة لا تهدأ، لكنها قد تكون الضمانة الوحيدة لبقاء مصر قوة إقليمية قادرة على فرض خياراتها في زمن التحولات العنيفة.