أجرى الفريق أحمد فتحي خليفة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، زيارة ميدانية إلى فرنسا، تخللتها جولة شاملة على عدد من أبرز منظومات التسليح التي تنتجها الصناعة الدفاعية الفرنسية، بحضور مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، وعلى رأسهم نظيره الفرنسي. وتأتي هذه الزيارة في توقيت حساس تشهده المنطقة، ما يضفي على تحركات القاهرة أبعاداً استراتيجية تتجاوز مجرد الاستطلاع الفني.
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لموقع “الدفاع العربي”، فإن الوفد العسكري المصري أبدى اهتماماً لافتاً بأحدث إصدار من دبابة “لوكلير Leclerc” الفرنسية، المعروفة بتقنياتها المتطورة في مجالات الحماية النشطة، وأنظمة التحكم بالنيران، والقدرة العالية على الحركة والمناورة في البيئات القتالية المختلفة. ويُنظر إلى “لوكلير” على أنها واحدة من أكثر الدبابات تطوراً في أوروبا، وتكاد تكون من القلائل التي تدمج بين خفة الوزن والنظام القتالي الثقيل.
غير أن هذا الاهتمام لا يأتي من فراغ، بل يعكس توجهاً مصرياً متصاعداً نحو تنويع مصادر التسليح وتحديث الأسطول البري بما يواكب تحديات العصر الحديث. فقد كانت مصر قد عبّرت، في مناسبات سابقة، عن رغبتها في اقتناء الدبابة الكورية الجنوبية K2 Black Panther، والتي تنتمي هي الأخرى إلى فئة دبابات الجيل الجديد، وهو ما يشير إلى أن القاهرة تسعى إلى مقارنة الخيارات المتاحة أمامها بدقة، قبل حسم قرارها الاستراتيجي.
وتكمن أهمية هذا المسار في كونه لا يتوقف عند الشراء المباشر، بل يرتبط بتوجه مصري معلن يسعى إلى تعزيز التصنيع العسكري المحلي. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن أي صفقة مستقبلية محتملة مع فرنسا ستتضمن، كشرط أساسي، إقامة خطوط إنتاج محلية، ونقل جزئي للتكنولوجيا، إضافة إلى إشراك مكونات مصرية في عملية التصنيع، وهو ما يتسق مع عقيدة الجيش المصري التي تُفضل وجود كميات كبيرة من الآليات في الخدمة، إلى جانب القدرة على صيانتها وإنتاجها محلياً لضمان الاستقلالية التشغيلية واللوجستية.
في هذا السياق، يتوقع مراقبون أن تشهد المرحلة المقبلة تحركات دبلوماسية وفنية مكثفة بين القاهرة وباريس، في إطار مفاوضات رسمية لتقييم العروض المقدمة، سواء من الناحية التقنية أو من حيث شروط التوطين الصناعي والتمويل. كما يُرتقب أن يُعرض الملف على مؤسسات سيادية مصرية لاتخاذ القرار النهائي، في ظل اعتبارات تتعلق بالتكلفة، والجاهزية اللوجستية، ومستوى نقل التكنولوجيا الذي قد تقدمه فرنسا مقارنة بالبدائل الآسيوية.
ومع استمرار التوترات في محيط مصر الإقليمي، من ليبيا إلى قطاع غزة، ومن شرق المتوسط إلى البحر الأحمر، فإن أي تحرك في مجال التسلح يُفهم اليوم ضمن رؤية أمنية شاملة، تسعى من خلالها القاهرة إلى ضمان تفوق نوعي في قدراتها التقليدية، وبناء رادع صلب في مواجهة كل السيناريوهات المحتملة.