لا يزال مصير اللواء سهيل الحسن، المعروف بلقب “النمر”، يكتنفه الغموض في سوريا ما بعد الأسد، في وقت تتضارب فيه الروايات بشأن مصيره بين من يرجّح تصفيته، ومن يؤكد فراره إلى الخارج. فبينما تصمت السلطات الانتقالية السورية عن الإدلاء بأي بيان رسمي حول وضعه، تتوسع التكهنات لتشمل فرضية جديدة تتحدث عن هروبه إلى العراق ثم انتقاله إلى روسيا، بمساعدة شبكات أمنية غير رسمية كانت تابعة للنظام السابق.
الحسن، الذي كان أحد أبرز القادة العسكريين في عهد بشار الأسد وقائد “قوات النمر”، اختفى عن المشهد منذ تسارع انهيار النظام في أواخر 2024. ولم يُعرف عنه شيء منذ ذلك الحين، ما أفسح المجال لروايات متضاربة، منها ما تحدّث عن مقتله في مواجهات مع قوات الأمن الجديدة في ريف حماة، وأخرى أشارت إلى وجوده في مناطق جبلية بريف اللاذقية، محاطًا ببقايا وحداته العسكرية.
غير أن رواية أخرى بدأت تحظى بزخم متزايد في الأوساط السياسية والإعلامية، وتتمثل في أن الحسن نجح في الفرار إلى العراق عبر معابر حدودية غير رسمية في البادية السورية، بمساعدة عناصر عشائرية لها ارتباطات قديمة بالنظام. وبحسب مصدر أمني سابق تحدث لـ”الجزيرة” بشرط عدم كشف هويته، فإن الحسن دخل الأراضي العراقية منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، عبر منطقة القائم الحدودية، ثم نُقل لاحقًا إلى بغداد، حيث أمضى أسابيع في أحد “المواقع الآمنة” بإشراف شخصية نافذة كانت على تواصل سابق مع النظام السوري.
وبحسب الرواية ذاتها، فإن الحسن لم يمكث طويلًا في العراق، حيث تقول معلومات متقاطعة إنه غادر إلى روسيا في رحلة سرية عبر طائرة خاصة أقلعت من النجف في يناير/كانون الثاني 2025، بهوية مزورة وتسهيلات استخباراتية روسية. ووفقًا للمصادر، فإن وجود الحسن في روسيا لم يكن لأسباب لجوء إنساني، بل في سياق ترتيبات أوسع ترتبط بمصالح موسكو في الملف السوري ومحاولاتها حماية بعض رموز النظام السابق.
وكان سهيل الحسن يوصف سابقًا بـ”رجل موسكو في دمشق”، وقد أشرف، بدعم روسي مباشر، على عدد من المعارك الرئيسية التي خاضها النظام ضد المعارضة، خصوصًا في حلب والغوطة الشرقية. ولا يُستبعد أن تكون روسيا قد قررت تأمين خروجه كنوع من “رد الجميل”، أو لاستخدامه لاحقًا كورقة ضغط في أي تسويات سياسية تتعلق بمستقبل سوريا.
وتجنّبت الحكومة السورية الجديدة تأكيد أو نفي هذه الفرضية، ما زاد من ضبابية الملف. ومع ذلك، لا تخفي شخصيات مقربة من القيادة الانتقالية أن الحسن يُعد “مطلوبًا” لمحاكمات قادمة تتعلق بجرائم حرب، وأي حماية توفرها له جهات أجنبية ستكون موضع إدانة.
وفي المقابل، لا يستبعد مراقبون أن يكون تسريب فرضية فرار الحسن محاولة منظمة للتغطية على تصفيته داخليًا في وقت سابق، أو لإخراج القضية من التداول السياسي الداخلي مؤقتًا. إذ أن الإعلان عن مقتله رسميًا، أو العجز عن اعتقاله، قد يثير حساسيات داخل المؤسسة العسكرية الجديدة التي تسعى لتكريس هيبتها في المرحلة الانتقالية.
حتى الساعة، لا شيء مؤكد. ويبدو أن ملف سهيل الحسن بات أكثر من مجرد قضية فردية، بل أصبح مرآة تعكس طبيعة المرحلة الانتقالية في سوريا، وحدود التغيير الذي تحاول السلطة الجديدة فرضه على أرض ما زالت تتعافى من عقد كامل من الحرب والانقسام. سواء قُتل أو فرّ، فإن “النمر” سيظل رمزًا مثيرًا للجدل، تلاحقه العدالة أو يحميه الحلفاء… في انتظار الحقيقة الكاملة.