في قلب الضفة الغربية، يعيش الشعب الفلسطيني تحت وطأة تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، يتمثل في الاقتحامات اليومية، واعتداءات المستوطنين المتكررة، والانتشار العسكري المكثف الذي يحاصر المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية. الأحداث الأخيرة في الخليل وجنين وطولكرم ليست مجرد حوادث معزولة؛ بل هي جزء من استراتيجية احتلالية مدروسة تهدف إلى تهشيم النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وكسر إرادة المقاومة الشعبية.
النزوح القسري
في الخليل، يتجلى المشهد بوضوح: مستوطنون يقتحمون البلدة القديمة بحماية قوات الاحتلال التي تتصرف كدرع بشري لهم، تمنع السكان الأصليين من مجرد التواجد في محيط منازلهم. الهدف هنا يتجاوز فرض أمر واقع استيطاني جديد؛ إنه إعادة رسم الخريطة السكانية والجغرافية للمدينة، بما يخدم المشروع الاستيطاني القائم على الإقصاء والتهجير.
أما في جنين، فقد وصلت الممارسات الإسرائيلية إلى مرحلة النزوح القسري. اقتحام حي الزهراء وإجبار العائلات على إخلاء منازلهم خلال دقائق معدودة يعيد إلى الأذهان مشاهد النكبة الأولى، حيث لم يُتح للفلسطينيين سوى الهروب حفاظًا على أرواحهم. الاعتقالات العشوائية ومصادرة الممتلكات، بما فيها تسجيلات الكاميرات، تكشف عن نية الاحتلال محو أي دليل على جرائمه.
في طولكرم ومخيم نور شمس، لا تقل الصورة سوداوية. العدوان المستمر منذ شهور، والعمليات العسكرية المتواصلة، حولت المدن إلى ساحات اشتباك مفتوحة. الهدف الأساسي لهذا التصعيد هو إنهاك المجتمع الفلسطيني، وزرع الخوف واليأس في قلوب السكان، ودفعهم إما إلى الاستسلام أو إلى الهجرة الصامتة.
ضغوط سياسية واقتصادية
الواقع المؤلم أن هذه السياسات تتم تحت غطاء عالمي يتسم بالصمت أو بالتواطؤ أحيانًا. وبينما تباد غزة إبادة جماعية موثقة، تُستخدم الضفة الغربية كمسرح آخر لاستكمال مشروع الاحتلال الإسرائيلي القائم على تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين.
يواجه الفلسطينيون آلة عسكرية مدججة بالسلاح لا تتورع عن استخدام كل وسائل القمع والبطش. ومن جهة أخرى، يتصدون لهجمة استيطانية شرسة تقودها مجموعات من المستوطنين المتطرفين الذين يمارسون الإرهاب اليومي بدعم رسمي من حكومة الاحتلال. وبين هذا وذاك، تعاني المؤسسات الفلسطينية من ضغوط سياسية واقتصادية خانقة، تزيد من صعوبة الصمود والمقاومة.
الهوية والوجود
ورغم كل هذه التحديات، لا يزال الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يتمسك بأرضه وبحقه في الوجود، رافعًا شعار البقاء كشكل من أشكال المقاومة اليومية. إن الصمود في وجه هذه السياسات الاحتلالية لا يتمثل فقط في مواجهة الدبابات أو المستوطنين، بل في استمرار الحياة اليومية، والتعليم، والزراعة، وبناء الأمل مهما كان الثمن.
إن ما يحدث في الضفة الغربية هو معركة كبرى على الهوية والوجود، معركة تثبيت الحق الفلسطيني في أرضه، رغم أنف الاحتلال. وهي معركة تستدعي من الجميع، فلسطينيين وعربًا وأحرار العالم، أن يكونوا سندًا لهذا الشعب الذي يخوض أصعب معاركه على الإطلاق.