جاءت دعوة عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني أنصاره في الحزب لإلقاء السلاح وحل الحزب في لحظة حاسمة ومصيرية لأمن تركيا.
ويبدو أن تداعيات ما صرح به أوجلان سيشكل عقبة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي عرض له رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلال كلمة له أمام أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
استراتيجية إسرائيل العسكرية في الشرق الأوسط تهدف لخلق تواصل جغرافي بين شمال فلسطين المحتلة نرورا بهضبة الجولان السورية المحتلة باتجاه جنوب سوريا للنفاذ إلى المناطق التي تحتلها القوات الأمريكية في شرق وشمال الدولة السورية.
هذا التحول وإن كان سيواجه عقبات مفترضة من دول عربية أبرزها المملكة العربية السعودية من شأنه دفع الأطراف المتصارعة لوضع خطط بديلة هدفها:
أولاً: عدم تقسيم سوريا والمحافظة على وحدة أراضيها.
ثانياً: منع إسرائيل من التغلغل في المناطق الشرقية الشمالية لسوريا للوصول برياً إلى شمال العراق.
ثالثاً: تعزيز السيطرة الجيوسياسية التركية في سوريا.
الواقع الأمني الجديد في تركيا خاصة جنوب البلاد من شأنه أن يخفف الأعباء عن الدولة التركية سواء كان ذلك عسكرياً أو اقتصادياً، كما سيؤدي إلى استحداث إلى خارطة سياسية داخلية.
فالهدوء المفترض في تركيا بعد توقف الأعمال “الإرهابية” المسلحة لحزب العمال الكردستاني الذي بدأ بها عام 1982 وتوقفت لفترة واستؤنفت لاحقاً سيمنح أنقرة الوقت لتنفيذ استراتيجيتها في سوريا لأن الهدوء الأمني سيمتد ليشمل شمال كل من العراق وسوريا بالإضافة إلى تركيا.
ولكي تنجح تركيا في تحقيق أهدافها وإظهار حسن النوايا عليها الذهاب في اتجاهين:
الأول: العمل على تعزيز التقارب مع الدول العربية ومنها الأردن ومصر والسعودية لضمان منع إسرائيل من المضي في استراتيجيتها لإقامة ما تسمى بـ “إسرائيل الكبرى” عبر الأراضي السورية.
الثاني: دمج الأكراد في المجتمع التركي بخطط تنمية اقتصادية وسياسية في الوسط الكردي وهو ما سينعكس أيضاً على أكراد سوريا والعراق.
وإذا ما نجحت تركيا في تحقيق هذه التوازنات في العلاقات الدولية فإنها ستقفز عن مراحل متراكمة قبل الوصول إلى أهدافها.
وفي حمى السباق في الصمود إلى القمة في منطقة الشرق الأوسط، تنحت إيران جانباً بعد تعرضها لضربات إسرائيلية قوية، وجاءت تركيا لتتصدر المشهد بكافة اتجاهاته العسكرية والسياسية والاقتصادية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية في المنطقة العربية.
إن تردد هذه التوقعات يترجمها السياسيون في تصريحاتهم اليومية المتشددة إزاء ما يحدث في قطاع غزة واستمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية واللبنانية باعتباره بوابة عريضة لتحقيق حلم إسرائيل الذي يراودها منذ تأسيس الكيان العبري في عهد بن غوريون والذي تعثر إبان تولي رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين الذي اغتيل بعد ثلاثة أيام من إدلائه بتصريح بعد مشاركته في المؤتمر الاقتصادي الأول للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان عام 1995 وجاء فيه: “على اليهود أن ينسوا إقامة مشروع “إسرائيل الكبرى”.
وقبل أيام طالب وزير خارجية تركيا السابق داود أوغلو الذي انفصل عن حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان بضم قطاع غزة إلى تركيا لأنها صاحبة الولاية على القطاع إبان الحقبة العثمانية إلى أن يشكل الفلسطينيون دولتهم.
ولم ينتظر الرئيس التركي أردوغان حين اعتبر مواجهة إسرائيل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مريبة لجيش الاحتلال وتابع: “إن أي مواجهة مع إسرائيل سوف يقطع الجيش التركي جيشها إرباً إباً”.
هذه التصريحات المتعاقبة تظهر غياب إيران عن المشهد الشرق أوسطي بعد تدمير قدرات أذرع إيران العسكرية وإن كان محدوداً، كما دفعت بنتنياهو للتحذير من الدور التركي في سوريا زاعماً أن القوى الإسلامية وهذه المرة “السنية” تقترب من هضبة الجولان وإن إسرائيل باتت في خطر.
بقي شيء أخير …
تحذيرات نتنياهو من الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط امتدت إلى مصر ولكن بتصريحات صدرت عن مسؤولين عسكريين كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذر من تعاظم قوة الجيش المصري.
وإذا ما وضعت جمع هذه المواقف في سلة واحدة بعد تصريح أوجلان نتوصل إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولاً مختلفاً قد يشهد تقارباً عربياً تركياً أوسع من حاله الراهن خاصة وأن توافق العرب وتركيا يمكن تعظيمة إن توصلا إلى تقويم المصالح لكل طرف بعيداً عن الضغوط الأمريكية لا سيما وأن أطراف السباق الحالي إلى قمة الشرق الأوسط حليفة للولايات المتحدة وهو ما سيؤدي إلى منع تهجير قطاع غزة ودفن استراتيجية إسرائيل في وكرها.