قدمت مصر، أحد الوسطاء في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، اقتراحا جديدا لوقف إطلاق النار كوسيلة لسد الفجوات القائمة بين الجانبين.
و أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية حصرية أن القاهرة أرسلت للأطراف نسخة منقحة من مقترح وقف إطلاق النار الذي تقدمت به مصر وقطر بشكل مشترك الأسبوع الماضي.
وكانت حماس قد وافقت على المقترح المصري السابق الذي يقضي بالإفراج عن خمسة أسرى مقابل وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى العودة للمطالب الإنسانية المتعلقة بالمساعدات وفتح المعابر. إلا أن إسرائيل رفضت هذا المقترح مطالبة بزيادة عدد الأسرى إلى 11 مقابل هدنة تمتد 40 يومًا.
وفي سياق متصل يتوجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، إلى مدينة العريش على بعد 50 كيلومترا من قطاع غزة، خلال زيارته لمصر، للقاء الجهات الإنسانية والأمنية، وفق ما أعلن قصر الإليزيه لقناة “بي إف إم تي في”. رحلة “لتوثيق حشدها الدائم من أجل وقف إطلاق النار”.
وبما أن مصر هي الوسيط بين إسرائيل وحماس، فسوف يناقش مع نظيره المصري “ضرورة” استئناف وقف إطلاق النار حتى لا يصبح سكان غزة “عُرضة للكارثة الإنسانية التي يجدون أنفسهم فيها وللضربات الإسرائيلية التي تهدد أمنهم”، والسماح بالإفراج عن الرهائن الذين لا تزال الحركة الإسلامية تحتجزهم، بحسب ما أوضح قصر الإليزيه.
في أحدث فصول جهودها، قدمت القاهرة مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحماس بعد تعثر المقترح السابق الذي دعمته بالاشتراك مع قطر. ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فقد أُرسلت للأطراف نسخة معدلة من الاتفاق تتضمن مراجعات تهدف إلى معالجة الخلافات الجوهرية حول عدد الأسرى وفترة الهدنة.
وكانت حماس قد أبدت مرونة واضحة بالموافقة على مقترح القاهرة السابق، الذي نصّ على الإفراج عن خمسة أسرى مقابل وقف لإطلاق النار وعودة للمطالب الإنسانية الأساسية، بما في ذلك فتح المعابر وزيادة تدفق المساعدات. غير أن إسرائيل رفضت العرض، مطالبة بالإفراج عن 11 أسيرًا مقابل هدنة مؤقتة لمدة 40 يومًا، ما أعاد المفاوضات إلى نقطة الجمود.
ثقل الحرب على مصر: التهجير.. السيناريو الأسوأ
لكن الوساطة المصرية ليست مجرد دور دبلوماسي تقليدي، بل هي انعكاس لحالة قلق عميق تعيشها القاهرة منذ اندلاع الحرب، بسبب التداعيات الجيوسياسية والإنسانية المحتملة، وعلى رأسها خطر التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى سيناء.
تخشى مصر أن تستغل إسرائيل الوضع العسكري لدفع مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو الحدود المصرية، في محاولة لتفريغ غزة ديموغرافيًا ضمن ما يُوصف بـ”الحل التهجيري”، وهو سيناريو تعتبره القاهرة خطًا أحمر يمسّ السيادة الوطنية والموقف التاريخي لمصر من القضية الفلسطينية.
وقد عبّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحة في مناسبات عدة عن رفض بلاده المطلق لأي محاولات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، مشيرًا إلى أن هذا التحرك سيُفضي إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية عبر نزع الأرض من أصحابها.
التوازن الصعب: بين حماية الأمن القومي وحفظ دور الوسيط
تسعى مصر إلى الحفاظ على توازن دقيق في موقفها: فمن جهة، تواصل لعب دور الوسيط الفاعل لإنهاء الحرب وحقن دماء الفلسطينيين، ومن جهة أخرى، تعمل على تحصين حدودها الشرقية لمنع أي خروقات محتملة أو موجات نزوح جماعي قد يتم دفعها قسرًا.
كما تواجه القاهرة ضغوطًا دولية متباينة؛ فبينما تحثها بعض الدول الغربية على “استيعاب” جزء من الأزمة الإنسانية، تصرّ مصر على أن المعالجة يجب أن تكون داخل غزة، وليس على حساب الأراضي المصرية.
مصر والموقف الأخلاقي قبل السياسي
في هذه الحرب المركّبة، لا تكتفي القاهرة بإدارة مفاوضات تقنية، بل تحاول الدفاع عن ثوابت تاريخية شكّلت جوهر سياستها تجاه القضية الفلسطينية، وأبرزها رفض التهجير، والحفاظ على وحدة الأرض الفلسطينية، والتمسك بحل الدولتين كخيار عادل وشامل.
ومع تعثر المساعي مرة تلو الأخرى، لا تزال مصر تُراهن على الصبر السياسي والضغط الإقليمي والدولي للوصول إلى اتفاق يُنهي الحرب الكارثية، ويمنع تحوّل غزة إلى أزمة أمنية على حدودها، وإنسانية أمام العالم.