أعلن التلفزيون الإيراني، صباح الجمعة، مقتل القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، في أعقاب غارات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع حساسة في العاصمة طهران ومدن أخرى.
الضربات التي وصفت بأنها الأكثر جرأة واتساعًا في تاريخ المواجهة غير المعلنة بين إيران وإسرائيل، طالت هيئة القيادة العامة لحرس الثورة الإسلامية في منطقة كلاهدوز، إحدى أبرز القواعد العسكرية في قلب طهران، وفق ما أكده التلفزيون الإيراني الرسمي.
استهداف نوعي يضرب النواة الصلبة للنظام
الغارات، التي نُفذت على ما يبدو بتنسيق استخباراتي بالغ الدقة، لم تقتصر على منشآت عسكرية، بل شملت أيضًا شخصيات علمية وعسكرية من الصف الأول، ما يفتح الباب على احتمالات تصعيد خطير يتجاوز الردود التقليدية. فقد أعلنت وكالة “تسنيم” الإيرانية، نقلاً عن مراسل الشؤون السياسية لديها، مقتل كل من محمد مهدي طهرانجي، رئيس جامعة “آزاد” الإسلامية، وفريدون عباسي، أحد أبرز علماء الطاقة النووية في البلاد، والقيادي السابق في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
كما تضمنت التقارير الأولية أن اللواء غلام علي رشيد، قائد مقر “خاتم الأنبياء”، أحد أرفع التشكيلات العسكرية المرتبطة مباشرة بالقيادة العليا للقوات المسلحة، كان من بين المستهدفين، ما يزيد من حجم الكارثة التي ضربت البنية العسكرية والأمنية للجمهورية الإسلامية.
انعطافة حاسمة في معادلة الردع
عملية بهذا الحجم، وفي قلب العاصمة الإيرانية، تشكل ضربة استراتيجية مزدوجة: من ناحية تفقد طهران بعضًا من أهم قادتها ورموزها العقائدية، ومن ناحية أخرى، تُظهر هشاشة أمنية غير مسبوقة داخل منظومتها الدفاعية، خاصة في مواقع يُفترض أنها محصّنة ضد أي اختراق.
إسرائيل، وإن لم تُصدر بيانًا رسميًا عن تفاصيل الهجوم، إلا أن التوقيت المتزامن مع تصريحات سابقة لمسؤولين إسرائيليين عن “عمليات مستمرة في العمق الإيراني” يوحي بأنها تقف وراء الهجوم، وتحديدًا ضمن عملية “شعب كالأسد” التي أُعلن عنها مؤخرًا. هذا التحول يعكس نية إسرائيلية واضحة في الانتقال من الضربات الوقائية إلى استراتيجية “الاجتثاث الممنهج” للقدرات النووية والعسكرية الإيرانية.
خيارات إيران: بين الرد العاجل والتريث الاستراتيجي
الرأي العام الإيراني، كما المؤسسة العسكرية، سيجدان صعوبة في تقبل استهداف بهذه الحدة دون رد مباشر. مقتل شخصية بحجم حسين سلامي لا يشكّل مجرد خسارة عسكرية، بل هو ضربة رمزية تطال هيبة النظام نفسه، ما يجعل احتمالية الرد عبر جبهات متعددة (من لبنان إلى اليمن مرورًا بالعراق وسوريا) أقرب إلى التحصيل الحاصل.
لكن بالمقابل، فإن الدخول في حرب مفتوحة قد يكون بمثابة مقامرة في توقيت غير مثالي، خاصة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية الداخلية، وتنامي الضغوط الدولية المرتبطة بالملف النووي.
المجتمع الدولي أمام اختبار الصمت أو التدخل
ردود الفعل الدولية حتى الآن اتسمت بالصمت والترقب، لكن حجم الهجوم ونوعية الأهداف قد تدفع قوى كبرى، خصوصًا الاتحاد الأوروبي وروسيا، إلى محاولة احتواء التصعيد أو الدعوة لعقد جلسات عاجلة في مجلس الأمن، خصوصًا إذا بدأ الحديث يتسع حول تورط إسرائيل في عمليات اغتيال خارج إطار القانون الدولي.
الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل التاريخية، ستجد نفسها في موقف حرج إذا ما استُدرجت إلى مواجهة أوسع، أو إذا قررت طهران استهداف مصالح أمريكية كرد فعل على الضربة الإسرائيلية.
مشهد معقّد وسيناريوهات مفتوحة
ما حدث صباح الجمعة في طهران لا يمكن النظر إليه كحادثة منفردة، بل كحلقة فاصلة في مسار الصراع الإيراني-الإسرائيلي. ومهما كان الرد الإيراني، فإن معادلة الاشتباك تغيرت بشكل جذري: لم يعد القادة في مأمن، ولم تعد العواصم محصنة، ولم تعد الحرب تدار بالوكالة فقط.