بعد أكثر من عقد من الانقطاع عن النظام المالي العالمي، تستعد سوريا للعودة إلى نظام “سويفت” للمدفوعات الدولية خلال أسابيع، في خطوة وُصفت بأنها علامة فارقة في مسار تعافي الاقتصاد السوري وخروجه من دوامة العزلة التي فرضتها الحرب والعقوبات الدولية منذ عام 2011.
الإعلان جاء على لسان عبد القادر الحصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، الذي أكد في تصريحات صحفية أن “سوريا ستعود بالكامل إلى نظام سويفت”، مشيرًا إلى أن العمل جارٍ على تفعيل الرموز الخاصة بالبنوك السورية، بانتظار استئناف البنوك المراسلة خدمات التحويل.
تحوّل سياسي واقتصادي بعد الإطاحة بالأسد
تمثل العودة إلى “سويفت” أولى خطوات الانفتاح الاقتصادي التي تقودها الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، والتي تولّت السلطة أواخر العام الماضي بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.
منذ تسلم الحكومة الجديدة مهامها، تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، كان أبرزها رفع تدريجي للعقوبات الأميركية والأوروبية، وإصدار تراخيص مصرفية، ما مهّد الطريق لاستئناف العلاقات المالية الدولية.
انفتاح مالي يعيد بناء الثقة
يرى مراقبون أن ربط سوريا مجددًا بسويفت يعيد الاعتبار لدور القطاع المصرفي الرسمي، بعد سنوات من الاعتماد على شبكات غير رسمية في تحويل الأموال والاستيراد.
ويقول الحصرية إن هذا التطور سيمكن البنك المركزي من تحويل كل التجارة الخارجية إلى القنوات المصرفية الرسمية، مما سيُسهم في خفض الرسوم المرتفعة التي كانت تُفرض عبر الصرافين – والتي بلغت أحيانًا 40 سنتاً لكل دولار.
فرصة لجذب الاستثمارات والحد من التضخم
وبحسب خبير الاقتصاد الصناعي نضال رشيد بكور، فإن “العودة إلى سويفت تمثل الخطوة الأولى نحو إعادة دمج الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي”، موضحًا أن “تفعيل التحويلات الرسمية سيقلل الضغط على السوق السوداء، ويُساهم في استقرار سعر صرف الليرة السورية”.
وأضاف بكور أن “فتح الاعتمادات المستندية سيسهّل عمليات الاستيراد، ويحسن تدفق المواد الأساسية، بما يدعم النشاط الإنتاجي ويخفّف من معدلات التضخم المرتفعة”.
المصارف تستعيد دورها.. والتحويلات تنخفض تكلفتها
من جهته، أوضح الدكتور مازن ديروان، مستشار وزير الاقتصاد والصناعة السوري، أن “أبرز المكاسب الفورية لعودة سوريا إلى سويفت تتمثل في سرعة التحويلات وانخفاض كلفتها إلى أدنى مستوى ممكن، نتيجة استعادة المصارف لدورها الطبيعي في التحويل المباشر”.
وأشار إلى أن هذه الخطوة ستُسهم في زيادة ثقة المستثمرين الدوليين والمغتربين بالاقتصاد السوري، بما يشجعهم على إرسال الأموال عبر القنوات الرسمية بدلاً من الطرق الموازية.
من التحويل الفردي إلى تسهيل التجارة الدولية
بدوره، قال الباحث الاقتصادي عصام تيزيني إن “عودة سوريا إلى سويفت تُمكّن المواطن السوري للمرة الأولى منذ سنوات من إجراء تحويلات مالية مباشرة من حسابه المحلي إلى أي بنك عالمي، دون المرور بشبكات خارجية”.
وأكد تيزيني أن هذه العودة ستُسهم في تبسيط العمليات التجارية بين الشركات السورية ونظيراتها الأجنبية، مما يشجع على مزيد من الاستثمار ويُحسّن من مرونة التجارة الخارجية.
تحسّن تدريجي في سعر الصرف.. ودلالات سياسية
ومن الناحية النقدية، يرى خبراء أن عودة الدولار إلى البلاد عبر المسارات الرسمية قد تُقلّص الحاجة إلى السوق السوداء، مما يُترجم إلى تحسّن في سعر الصرف، ليس فقط مالياً بل نفسياً ومعنوياً لدى المستثمرين.
ويعتقد اقتصاديون أن هذه الخطوة تحمل دلالة على تحول تدريجي في النظرة الإقليمية والدولية تجاه سوريا الجديدة، خاصة مع إطلاق الحكومة حزمة إصلاحات تهدف إلى إعادة رسملة البنوك، وتحسين الشفافية، وإلغاء القيود التنظيمية التي كبّلت الاقتصاد لسنوات.
ورغم أن العودة إلى سويفت لا تُعد حلاً سحريًا لمجمل التحديات الاقتصادية في سوريا، إلا أنها خطوة تأسيسية لا غنى عنها على طريق إعادة الإعمار وجذب الاستثمار.
في بلد دمرته الحرب، يُعدّ الربط بالنظام المالي العالمي بمثابة إعادة الحياة إلى شرايين الاقتصاد، وفرصة لصياغة عقد جديد بين الدولة والسوق. غير أن تحقيق الفوائد الكاملة لهذا التطور سيعتمد على الاستمرار في الإصلاحات، وتحقيق الشفافية، واستكمال رفع العقوبات الدولية بشكل ممنهج.