في فضيحة مالية غير مسبوقة، هزت الأوساط الاقتصادية والسياسية الليبية، كشف مصرف ليبيا المركزي عن كارثة مدوية تمثلت في طباعة مليارات من الدينارات الليبية خارج الإطار القانوني، وهو ما وصفه المصرف بأنه “استيلاء غير مشروع وتجاوز خطير يهدد الاقتصاد الوطني ويعمق هشاشته”.
3.5 مليار دينار “من المجهول”
جاءت المفاجأة حين بدأ المصرف المركزي عمليات سحب للإصدار الأول من فئة الخمسين دينارًا المطبوعة في بريطانيا، والثاني المطبوع في روسيا، لتظهر فوارق مالية ضخمة وغير مبررة، فبينما تشير البيانات الرسمية إلى أن ما طُبع في روسيا هو 6.650 مليار دينار، تبيّن أن الكمية التي دخلت البلاد فعليًا بلغت 10.211 مليار، بفارق يتجاوز 3.5 مليار دينار مجهول المصدر.
أما النسخة البريطانية، فكانت المفارقة معاكسة، حيث تم إصدار 7 مليارات دينار، في حين تسلم المصرف 6.828 مليار فقط، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول أماكن طباعة الأموال، وسبل إدخالها، والجهات التي تقف وراء هذا العبث المالي.
طباعة بلا رقابة.. والدينار يدفع الثمن
المصرف أكد في بيانه أن هذه العملية غير القانونية ساهمت في تدهور قيمة الدينار الليبي، ورفعت الطلب على الدولار في السوق السوداء، مما أشعل المضاربة وشجع على غسل الأموال وتمويل الأنشطة المشبوهة.
وفي خطوة طارئة، أعلن المصرف سحب فئة 20 دينارًا من الإصدارات الروسية والبريطانية، واستبدالها بعملة جديدة أكثر أمانًا، مع تحديد يوم 30 سبتمبر/أيلول 2025 كآخر موعد لتداول الفئات القديمة.
انقسام السلطة.. أصل البلاء
وحيد الجبو، المستشار الاقتصادي الليبي، أكد لـ”العين الإخبارية” أن ما جرى يمثل خرقًا واضحًا للقانون رقم (1) لسنة 2005، الذي يخول فقط للمصرف المركزي بطرابلس صلاحية الإصدار والسحب.
واتهم الجبو الانقسام السياسي الحاد بين شرق البلاد وغربها، لا سيما الانقسام داخل مؤسسة المصرف المركزي بين طرابلس والبيضاء، بأنه السبب الرئيس وراء هذا التلاعب، محذرًا من أنه “يهدد الاقتصاد الوطني في العمق”.
الدينار يفقد هيبته.. والمواطن يدفع الثمن
الجبو أشار إلى أن ضخ كميات غير قانونية من العملة يضعف الثقة العامة في الدينار الليبي، ما يدفع المواطنين إلى التوجه نحو الدولار أو حتى العملات الأجنبية المجاورة، ويؤدي إلى مزيد من التضخم وارتفاع الأسعار.
وقال: “نحن لا نتحدث فقط عن فساد مالي، بل عن كارثة تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، في بلد يعاني أصلًا من أزمات متراكمة وانعدام للثقة في المؤسسات”.
مطلب شعبي: المحاسبة الشفافة
رغم إشادة الجبو بالإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي، كإبلاغ النائب العام وتحريك التحقيقات، إلا أنه شدد على ضرورة الكشف العلني عن الجهات المتورطة، ومحاسبة من سهّل أو نفّذ هذه العملية.
وحذر من أن أي تساهل مع هذه الفضيحة سيُعمّق الأزمة المعيشية، ويُفشل أي فرصة مستقبلية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، ويُدخل البلاد في نفق اقتصادي مظلم.
ليبيا اليوم أمام لحظة حاسمة، فإما أن تكون هذه الفضيحة المالية دافعًا للإصلاح والمحاسبة، أو تكون بداية لانهيار اقتصادي لا تُحمد عقباه. وبين عملة تُطبع خارج القانون، ودينار يفقد قيمته، يبقى المواطن الليبي هو الخاسر الأكبر في معركة المال والسياسة.