في تطور لافت على مستوى التعاون العسكري بين الصين ومصر، شاركت قوات جوية من البلدين في مناورات مشتركة جرت في قاعدة “وادي أبو الريش” الجوية، الواقعة على بعد قرابة 100 كيلومتر إلى الغرب من خليج السويس. هذه المناورات حملت مؤشرات استراتيجية تتجاوز طابعها العسكري التقليدي، في ظل ما تمثله من تحوّل دقيق في الاصطفافات الإقليمية والدولية.
اللافت في المناورات كان ظهور طائرة الإنذار المبكر الصينية من طراز KJ-500، وهي أول مشاركة خارجية لهذه المنصة المتقدمة، والتي تُقارن من حيث القدرات بنظيرتها الروسية A-50. إلى جانب ذلك، شملت التدريبات طائرات صينية من طراز J-10C، وطائرات للتزود بالوقود في الجو، بالتكامل مع مقاتلات MiG-29 الروسية الصنع، التي تشغّلها القوات الجوية المصرية منذ سنوات. هذا التنوع في الطائرات المشاركة يعكس درجة متقدمة من التنسيق العملياتي والتقني بين الجانبين.
وفيما تؤكد القاهرة وبكين أن المناورات تهدف إلى تعزيز الكفاءة القتالية وتبادل الخبرات، فإن سياقها الجيوسياسي لا يمكن فصله عن التوترات الدولية والإقليمية المحيطة. فمصر، كدولة ذات وزن استراتيجي في الشرق الأوسط، ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، كما أنها أول دولة عربية وقّعت اتفاق سلام مع إسرائيل. من هنا، فإن اقتراب القوات الصينية من المجال الحيوي المصري، بالتزامن مع تزايد الانتقادات الإسرائيلية لنشر الجيش المصري وحدات عسكرية إضافية في مناطق قريبة من الحدود مع قطاع غزة، يزيد من تعقيد المشهد.
التوقيت أضفى بُعدًا إضافيًا على هذه المناورات، إذ تزامن مع تصاعد الحرب في غزة، وما صاحبها من مقترحات أميركية إسرائيلية لحل أزمة اللاجئين عبر تهجير سكان جنوب القطاع إلى شبه جزيرة سيناء، وهو الطرح الذي رفضته القاهرة بشكل قاطع، معتبرة إياه خطًا أحمر يتجاوز مفاهيم السيادة والكرامة الوطنية. هذا الرفض المصري الصارم رافقه تصعيد دبلوماسي، عكس برودة في العلاقات مع كل من واشنطن وتل أبيب.
من جهة أخرى، تأتي هذه المناورات في وقت تشهد فيه العلاقات الأميركية الصينية مزيدًا من التوتر، خاصة مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حزمة جديدة من الإجراءات التجارية تجاه بكين، ما يعكس توجهًا تصعيديًا في الحرب التجارية الجارية بين القوتين العظميين. في ظل هذا المشهد، قد تُفسر المناورات الصينية المصرية على أنها جزء من تقارب أوسع بين بكين وعدد من دول المنطقة، ضمن سياسة صينية تسعى إلى تثبيت حضورها العسكري في مناطق النفوذ الأميركية التقليدية، ولكن دون إعلان مواجهة مباشرة.
ورغم أن القاهرة حريصة على تأكيد استقلال قرارها السياسي وتوازن علاقاتها الدولية، إلا أن هذه الخطوة قد تؤشر إلى توجه أكثر تنوعًا في استراتيجياتها الدفاعية، وهو ما يتماشى مع مبدأ تنويع الشركاء العسكريين والاقتصاديين الذي تنتهجه مصر منذ سنوات.
يبقى أن هذه المناورات، بتركيبتها وموقعها وتوقيتها، تشكل رسالة متعددة الاتجاهات، ليس فقط بشأن قدرات الصين في تعزيز شراكاتها الأمنية، ولكن أيضًا حول موقع مصر في معادلة التوازنات الإقليمية، كدولة محورية تسعى إلى الحفاظ على هامش واسع من الخيارات، في عالم تتغيّر خرائطه السياسية والعسكرية بسرعة.