الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مرحلة كارثية مع إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن نفاد جميع مخزوناته الغذائية بسبب الحصار الإسرائيلي المشدد المستمر منذ سبعة أسابيع. مع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، أصبح القطاع بأكمله على شفا مجاعة جماعية، وسط ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 1400%، وانهيار شبه كامل لأسواق الغذاء الهشة أصلًا.
منع إدخال المساعدات له تأثير مدمر متعدد المستويات. من الناحية الإنسانية، ترك هذا الحصار مئات الآلاف من الأطفال، والنساء الحوامل، وكبار السن دون الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء. النزوح الجماعي الذي شهدته غزة مؤخرًا زاد من معاناة السكان، حيث نزح أكثر من 400 ألف شخص منذ منتصف مارس وحده، مما عمّق أزمة الغذاء، وأرهق جهود الإغاثة المحدودة أصلًا. حتى مع عمل بعض المطابخ الإنسانية، إلا أنها لا تستطيع تلبية أكثر من ربع احتياجات السكان الغذائية اليومية.
موقف أكثر صرامة
في ظل هذا الوضع، تبدو قدرة الأمم المتحدة على التأثير المباشر على إسرائيل لإدخال المساعدات محدودة للغاية. على الرغم من التصريحات القوية الصادرة عن مسؤولي الأمم المتحدة، والدعوات المستمرة لوقف إطلاق النار والسماح بإدخال الغذاء والدواء، إلا أن إسرائيل تواصل تجاهل هذه النداءات بحجة احتياجاتها الأمنية ومخاوفها من استخدام المساعدات من قبل “حماس”، رغم أن برنامج الأغذية العالمي أكد بوضوح أنه لم ير أدلة على سوء استخدام المساعدات من قبل الحركة.
وتعتمد الأمم المتحدة بشكل أساسي على الضغط الدبلوماسي من القوى الكبرى للتأثير على إسرائيل، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا. ومع غياب قرار دولي ملزم، ووجود دعم غربي سياسي وعسكري لإسرائيل، تبدو قدرة الأمم المتحدة على إجبار إسرائيل على تغيير سياستها شبه معدومة. الأداة الحقيقية المتاحة أمام الأمم المتحدة هي تسليط الضوء الإعلامي والإنساني على الكارثة، وتحفيز الرأي العام العالمي للضغط على حكوماته لاتخاذ موقف أكثر صرامة.
جريمة إنسانية
من الواضح أن إسرائيل تستخدم الأزمة الإنسانية كورقة ضغط سياسية. عبر منع إدخال المساعدات، تحاول إسرائيل تحقيق أهداف عدة: أولها إنهاك السكان ودفعهم للضغط على “حماس” للتنازل سياسيًا أو عسكريًا، وثانيها خلق حالة من اليأس والانقسام الداخلي بين سكان غزة، وثالثها تعزيز رواية أن “حماس” مسؤولة عن معاناة المدنيين نتيجة استمرار الحرب. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد اتبعتها إسرائيل في أكثر من حرب سابقة، ولكن هذه المرة يبدو أن التكلفة الإنسانية أكبر من أي وقت مضى.
استمرار منع المساعدات يشكل جريمة إنسانية مكتملة الأركان وفق القانون الدولي، لكنه أيضًا يكشف عن محدودية النظام الدولي في حماية المدنيين حين تتداخل المصالح السياسية للقوى الكبرى مع الواقع الميداني. الأزمة في غزة تتفاقم يومًا بعد يوم، وإدخال المساعدات أصبح مسألة حياة أو موت، وليس مجرد نقاش سياسي.