قرار إسرائيل بمنع دخول وفد وزراء الخارجية العرب إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، لعقد اجتماع دبلوماسي بدعوة من السلطة الفلسطينية، ليس مجرد خطوة إجرائية أو قرار أمني كما قد تزعم تل أبيب، بل يُعدّ رسالة سياسية بالغة الخطورة، تكشف عن نوايا عميقة لإسرائيل في إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية في الأراضي الفلسطينية. هذا القرار يُمثل استهدافاً مباشراً للسلطة الفلسطينية وللشرعية العربية التي تحاول، ولو بشكل رمزي، أن تُعيد بعض الحضور السياسي إلى القضية الفلسطينية.
تصفية مشروع الدولة الفلسطينية
رفض استقبال الوفد العربي، بقيادة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، يُعد تحدياً صريحاً ليس فقط للفلسطينيين، بل للدول العربية التي وقّعت اتفاقات سلام أو تطبيع مع إسرائيل، والتي كانت ترى نفسها شركاء في “المسار السياسي” لا ضيوفاً غير مرغوب بهم. واللافت أن الرفض جاء من أعلى المستويات في تل أبيب، بلغة غير دبلوماسية، وصف فيها الاجتماع بأنه “استفزازي”، ما يعكس حجم التوتر الذي تُكنّه الحكومة الإسرائيلية لأي محاولة لإحياء الموقف العربي الرسمي تجاه فلسطين، ولو حتى عبر زيارة قصيرة.
الرسالة الإسرائيلية هنا واضحة: الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، سياسياً وأمنياً، ولن يُسمح لأي طرف عربي أو دولي أن يضفي شرعية على مشروع الدولة الفلسطينية أو يدعم السلطة الفلسطينية في تثبيت وجودها الرمزي داخل “عاصمتها المحتلة”. بل إن إسرائيل، بهذا الموقف، تمارس نوعاً من “السيادة الاستعمارية”، تفرض من خلالها من يزور الأرض الفلسطينية ومتى ولماذا، وكأنها تسعى لتكريس الاحتلال كواقع قانوني وسيادي لا مجال للطعن فيه.
أدوات دبلوماسية وأوراق ضغط
أما على صعيد السلطة الفلسطينية، فإن هذا القرار يُعد إحراجاً كبيراً، في استضافة اجتماع على أرض يُفترض أنها تقع ضمن سلطتها، كما يهدد هذا القرار محاولات السلطة لإعادة إدماج القضية الفلسطينية في جدول الأعمال العربي، خاصة بعد فترة طويلة من التهميش والانشغال بقضايا أخرى في المنطقة.
السؤال هنا: كيف يجب أن ترد السلطة الفلسطينية على هذا التصعيد الإسرائيلي؟
السلطة، تملك أدوات دبلوماسية وأوراق ضغط، إن استُخدمت بذكاء، قادرة على إعادة التوازن ولو جزئياً. من هذه الأدوات:
اللجوء إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتقديم شكوى رسمية ضد إسرائيل لعرقلتها عمل دبلوماسي مشروع تم بدعوة من طرف فلسطيني رسمي.
تفعيل الدبلوماسية العربية المشتركة، من خلال مطالبة الدول العربية باتخاذ موقف موحد من هذا القرار، خاصة أنه يستهدف وزراء خارجية يمثلون أكثر من دولة عربية فاعلة.
التهديد بتعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل مؤقتاً، كردّ رمزي على التعامل معها ككيان بلا سيادة.
تصعيد الخطاب السياسي عربياً ودولياً، لتوضيح أن إسرائيل لم تعد تتصرف فقط كقوة احتلال، بل كسلطة فوق القانون تمنع حتى الحضور السياسي العربي في الأراضي الفلسطينية.
صفعة على وجه الحضور العربي
لكن الأهم من ذلك أن السلطة بحاجة لتوسيع دعمها الشعبي، والتقرب من المجتمع المدني والقوى الوطنية الفلسطينية، لتستمد منهم شرعية حقيقية في مواجهة قرارات إسرائيل أحادية الجانب. فالتصدي لهذا القرار يجب ألا يقتصر على رد فعل دبلوماسي، بل يتحول إلى لحظة سياسية حاسمة تعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني.
ما فعلته إسرائيل ليس مجرد صدّ لزيارة عربية، بل هو صفعة على وجه الحضور العربي في ملف فلسطين، وصفعة على وجه السلطة التي باتت مكشوفة في عقر دارها. وإذا لم يُردّ عليها بحزم، فإن القادم قد يكون أخطر، إذ قد تُمنع السلطة غداً من استقبال مبعوثين أمميين أو حتى من تنظيم لقاءات داخلية، بحجة “السيادة الأمنية الإسرائيلية”.