في السنوات الأخيرة، واجه قطاع السياحة في لبنان تحديات غير مسبوقة، تمثلت في انهيار البنية التحتية، الأزمات الاقتصادية المتتالية، ونفوذ حزب الله الذي أثر على علاقات لبنان الدولية، مما جعل البلاد تشهد تراجعًا ملحوظًا في تدفق السياح. وقد أدت هذه العوامل إلى جعل لبنان، الذي كان يُعد أحد أبرز الوجهات السياحية في الشرق الأوسط، يتحول إلى بقعة منبوذة دوليًا. هنا، نحاول استكشاف مقومات السياحة في لبنان وإمكانية استعادة بريقها، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
لبنان لطالما كان مقصدًا سياحيًا عالميًا، بفضل موقعه الجغرافي الفريد الذي يجمع بين الجبال الشاهقة والشواطئ الجميلة، فضلاً عن تاريخ طويل من التنوع الثقافي والحضاري الذي جذب الزوار من كل أنحاء العالم. كانت بيروت، عاصمته، تعرف بلقب “باريس الشرق”، وكانت تستقطب السياح بفضل الحياة الليلية المزدهرة، المهرجانات الثقافية، والمطاعم الفاخرة. بالإضافة إلى ذلك، كانت المدن التاريخية مثل جبيل وطرابلس والبترون من أبرز المقاصد السياحية، فضلاً عن جبال لبنان التي تقدم فرصًا رائعة للتزلج خلال فصل الشتاء.
ومع ذلك، فإن الوضع السياسي المتقلب في لبنان خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسه النفوذ المتزايد لحزب الله، كان له تأثير كبير على سمعة البلاد على الساحة الدولية. ففي الوقت الذي كان فيه الحزب يُعتبر لاعبًا رئيسيًا في السياسة الداخلية اللبنانية، أضفى هذا النفوذ على لبنان طابعًا من التوترات الإقليمية والصراعات المرتبطة بالصراع الدائر في المنطقة، مما جعل لبنان يبدو كداعم للعديد من الجهات السياسية المتصارعة في الشرق الأوسط. هذه الصورة السلبية انعكست سلبًا على السياحة، حيث تراجع عدد السياح بشكل ملحوظ، خاصة من الدول الغربية والخليجية التي كانت تعد من أكبر الأسواق السياحية للبنان.
تأتي الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان لتزيد من تفاقم هذه المشكلة. منذ عام 2019، دخل لبنان في أزمة مالية خانقة أدت إلى انهيار الليرة اللبنانية وتفاقم معدلات التضخم. هذه الأزمة طالت العديد من القطاعات، وكان القطاع السياحي من أكثر المتضررين. فقد توقفت العديد من الشركات السياحية والفنادق عن العمل بسبب عدم قدرة السياح على تحمل التكاليف المرتفعة، بينما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق.
إضافة إلى ذلك، فإن الفساد السياسي المستشري في لبنان كان له دور كبير في تدمير الثقة في الدولة وأجهزتها. فعلى الرغم من أن لبنان يمتلك الكثير من المقومات الطبيعية والبشرية التي تؤهله لأن يكون وجهة سياحية رائدة، إلا أن ضعف البنية التحتية وتدهور الخدمات العامة كانا من أبرز المعوقات التي تواجه القطاع السياحي. الفساد في المؤسسات الحكومية أدى إلى تبديد الموارد المالية، بما في ذلك الأموال المخصصة لتطوير البنية التحتية السياحية، ما جعل العديد من المشاريع السياحية عاجزة عن النهوض.
رغم هذه التحديات، لا يزال هناك بعض الأمل في إمكانية استعادة بريق السياحة في لبنان، بشرط أن يتم اتخاذ خطوات إصلاحية جادة. أولًا، يجب أن تتحقق الاستقرار السياسي والأمني، بما في ذلك تقليل تأثيرات النفوذ الإقليمي، خاصة في ظل الوضع الإقليمي المتأزم. ثانيًا، ينبغي تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، تحفز الاستثمار في البنية التحتية السياحية وتدعم قدرة لبنان على جذب السياح الدوليين من جديد.
إذا تم تحسين الوضع السياسي والاقتصادي، وتعزيز جهود مكافحة الفساد، فإن لبنان قد يكون قادرًا على استعادة مكانته كوجهة سياحية رئيسية في المنطقة، ولكن ذلك يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
نهاية، يبقى السؤال: هل يمكن للبنان أن يتعافى من الأزمة الحالية ويعيد إحياء قطاع السياحة الذي كان يومًا من أرقى القطاعات في الشرق الأوسط؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على إرادة القوى السياسية الداخلية، بما في ذلك حزب الله، لتنفيذ إصلاحات حقيقية من شأنها تحسين صورة لبنان على الصعيدين الإقليمي والدولي.