مع انطلاق الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، بدا واضحاً أن هذه الدورة الانتخابية تتجاوز الطابع الإنمائي والخدماتي، لتتحول إلى استفتاء سياسي مصغّر على موقع الأحزاب والقوى في ظل المتغيرات الجذرية التي طرأت على المشهد اللبناني.
وكانت أبرز تلك المتغيرات، هي الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، والنتائج السياسية التي أفرزتها، إلى جانب انتخاب قائد الجيش السابق جوزيف عون رئيساً للجمهورية، ونواف سلام رئيساً للحكومة.
نتائج الانتخابات
شهدت مدينة زحلة معركة انتخابية محتدمة انتهت بفوز حزب “القوات اللبنانية”، ما عدّه كثيرون ضربة لحزب الله الذي خسر موقعاً كان يسعى لتثبيته في المنطقة.
أيضا فوز لائحة “الإرادة الشعبية” المدعومة من محمد رحال، القريب من تيار المستقبل سابقاً، يشير إلى استعادة الحضور السني، ولو جزئياً، في مشهد تراجع فيه تأثير حزب الله.
على الرغم من الانتكاسات، حافظ “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) على نفوذه في هذه المنطقة التي تُعدّ معقلهما الأساسي.
بيروت وجبيل ترفضان الهيمنة
وفي العاصمة، وعلى الرغم من ضعف الإقبال (نسبة اقتراع 20%)، كانت النتيجة لصالح القوى المعارضة لحزب الله، فيما سجلت جبيل فوزاً كبيراً للائحة النائب زياد حواط.
توزعت البلديات في بعبدا وعاليه بين الكتائب، القوات، والتيار الوطني الحر، ما أظهر الانقسام العميق داخل المعسكر المسيحي وابتعاد التيار الوطني عن حزب الله بعد الحرب الأخيرة.
الرابحون والخاسرون
ولعل الرابحون في الانتخابات، هم حزب القوات اللبنانية، الكتائب، وبعض القوى المستقلة والتحالفات المحلية، إضافة إلى الحزب التقدمي الاشتراكي في مناطقه التقليدية.
أما الخاسر الأبر، فهو حزب الله، الذي تراجعت قدرته على فرض مرشحيه أو ترجيح كفة حلفائه في العديد من الدوائر، مع تزايد الاستياء الشعبي من هيمنته العسكرية والسياسية.
التيار الوطني الحر أيضا لم يكن خاسراً بالكامل، لكنه سجل تراجعاً لافتاً في أكثر من منطقة، ما يعكس أثر الانفصال عن حزب الله.
دلالات أعمق
وعكست الانتخابات البلدية اتجاهاً شعبياً نحو كسر الهيمنة التقليدية لحزب الله في غير مناطقه الشيعية، وسط تعبئة معارضة وامتعاض شعبي متصاعد من الانهيار الاقتصادي والدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة.
كما أنها أوضحت أن الحرب مع إسرائيل، التي تسببت في مقتل قادة كبار من الحزب، لم تؤدِ إلى مزيد من الالتفاف الشعبي حوله، بل ربما ساهمت في العكس، في ظل غياب واضح للحلول السياسية والاقتصادية.
زيارة “عون” إلى مصر
تزامناً مع تلك التطورات، جاءت زيارة الرئيس جوزيف عون إلى القاهرة لتؤكد انفتاح لبنان الجديد على محور عربي معتدل، في مقابل تراجع الارتباطات السابقة بمحور المقاومة. فالعلاقة بين انتخاب عون ونتائج الانتخابات البلدية قد تكشف عن إعادة تموضع للدولة اللبنانية على مستوى القرار السيادي والأمني.
وتتجه الأنظار الآن إلى الجنوب اللبناني والنبطية حيث تجرى الانتخابات في 24 مايو، وسط آثار الحرب والتدمير. ستكون هذه المرحلة اختباراً إضافياً لقدرة حزب الله على الاحتفاظ بحاضنته التقليدية، أو ما إذا كانت رياح التغيير ستطال حتى مناطق نفوذه التاريخية.