بات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من أبرز الأسماء التي تثير جدلاً قانونياً وسياسياً في الأوساط الدولية، خصوصاً بعد تسارع وتيرة التحقيقات والاتهامات الموجهة له في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في ضوء تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والعدد الكبير من الضحايا المدنيين، وجّهت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إشارات واضحة إلى احتمال تورط نتنياهو في جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، وربما الجرائم ضد الإنسانية.
القضية ضد نتنياهو لا تتعلق فقط بالهجمات العسكرية الأخيرة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من السياسات التي ساهمت في ترسيخ الاحتلال، وتوسيع المستوطنات، وممارسة الحصار ضد قطاع غزة، بالإضافة إلى فشل منهجي في محاسبة الجيش الإسرائيلي على الانتهاكات المتكررة ضد المدنيين. منذ بدء ولايته الأولى وحتى اليوم، تبنّى نتنياهو استراتيجية سياسية تقوم على رفض الدولة الفلسطينية، ودعم الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية، والإصرار على التعامل الأمني مع الفلسطينيين بدل الحلول السياسية، وهو ما أفرز سلسلة من الإجراءات والسياسات التي يعتبرها القانون الدولي انتهاكات صارخة.
حملة عسكرية غير مسبوقة
بعد هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، والذي كان بمثابة لحظة مفصلية في النزاع، أطلقت إسرائيل، بقيادة نتنياهو، حملة عسكرية غير مسبوقة ضد غزة، أسفرت عن استشهاد أكثر من 51 ألف فلسطيني، بينهم آلاف الأطفال والنساء. العديد من الغارات استهدفت منشآت مدنية مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، وجرى تدمير شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مما عمّق الكارثة الإنسانية. هذه الأفعال، بحسب العديد من الخبراء القانونيين ومنظمات حقوق الإنسان، تُعد جرائم حرب وفقاً لاتفاقيات جنيف.
المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقاً رسمياً في الوضع في فلسطين منذ مارس 2021، تستند في ملاحقاتها إلى اختصاصها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار أن دولة فلسطين انضمت رسمياً إلى المحكمة في 2015. ورغم أن إسرائيل ليست طرفاً في المحكمة وترفض التعاون معها، إلا أن ذلك لا يمنع المحكمة من إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو، إذا توافرت الأدلة الكافية.
حماية سياسية
ورغم أن إصدار مذكرة توقيف لا يعني توقيف نتنياهو فوراً، فإن لها تأثيراً رمزياً وسياسياً هائلاً. أولاً، ستقيد حركته الدبلوماسية، لأنه قد يتعرض للاعتقال في أي دولة عضو في المحكمة. ثانياً، ستكون سابقة تاريخية تدين دولة طالما أفلتت من العقاب رغم سجلها الطويل في الانتهاكات. ثالثاً، ستمنح القضية الفلسطينية دفعة قانونية وأخلاقية على الساحة الدولية، خصوصاً في ظل تنامي التنديد الشعبي العالمي بإسرائيل.
لكن في المقابل، يواجه تنفيذ أي قرارات من المحكمة تحديات كبيرة. فنتنياهو يحظى بحماية سياسية من الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، والتي ترفض بشدة أي تدخل من المحكمة الجنائية في الشأن الإسرائيلي. كذلك، هناك تردد لدى بعض الدول الأوروبية في الدخول في صدام مباشر مع تل أبيب. وبالتالي، فإن أية إجراءات عملية ضد نتنياهو قد تُعرقل لأسباب سياسية وليست قانونية.
مؤامرة دولية
من جهة أخرى، داخل إسرائيل، تُستخدم هذه الاتهامات كأداة لتغذية الخطاب القومي، حيث يُصوَّر نتنياهو على أنه يتعرض لمؤامرة دولية تهدف لتجريمه لأنه “يحمي الدولة”. وهذا الخطاب يُوظف لتبرير استمرار العمليات العسكرية، والالتفاف على الانتقادات الدولية.
القضية المرفوعة ضد نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإن لم تُنفذ على الفور، تشكل تطوراً جوهرياً في مسار المحاسبة الدولية. قد لا يكون أثرها آنياً، لكنه قد يرسم مستقبلاً جديداً يُعيد صياغة علاقة القانون الدولي بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويضع حدًّا لإفلات طال لعقود من الزمن.