يبدو أن الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد خرج من خلف الكواليس إلى العلن، خصوصاً بعد تجاهل ترمب المتعمد لنتنياهو خلال زيارته الخليجية، وتصريحاته التي حملت نبرة استياء واضحة من السلوك الإسرائيلي تجاه الأزمة في غزة.
عقلية قديمة
تصريحات داني أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، تكشف بوضوح عن حالة من الغضب لدى ترمب تجاه نتنياهو، حيث وصفه بأنه يتصرف بـ”عقلية قديمة” ولا يستجيب لنداءات أميركية واضحة، بخلاف معظم القادة في المنطقة. هذا الخلاف يبدو جوهرياً وليس عابراً، فترمب، الذي لطالما تباهى بعلاقته الخاصة مع إسرائيل، يشعر الآن بأن نتنياهو يعاند السياسة الأميركية في أكثر الملفات حساسية غزة.
ترمب تحدث من أبوظبي بلغة إنسانية عندما قال إن “كثيراً من الناس يتضورون جوعاً هناك”، وهو تصريح غير تقليدي في الخطاب الأميركي تجاه غزة، ويشير إلى تحول ما في الرؤية، أو على الأقل محاولة لتقديم الولايات المتحدة كلاعب إنساني في الملف، ما يجعل تصرفات نتنياهو بمثابة إحراج دولي.
هل يستجيب نتنياهو للضغوط الأميركية؟
حتى الآن، لا توجد مؤشرات حقيقية على أن نتنياهو يعتزم الاستجابة للضغوط، لا من واشنطن ولا من أي وسيط آخر. السبب الرئيس يعود إلى قناعة راسخة لدى رئيس الحكومة الإسرائيلي بأن إنهاء الحرب دون “ضربة قاضية” لحماس سيمثل فشلاً سياسياً وعسكرياً، يُمكن أن يدفع ثمنه داخل إسرائيل، خاصة في ظل التصدعات السياسية التي يعاني منها ائتلافه الحاكم.
كما أن نتنياهو يدرك جيداً أن الولايات المتحدة، حتى في لحظات الغضب، لن تذهب إلى حد فرض عقوبات أو وقف المساعدات، وبالتالي فهو يراهن على أن الضغط الأميركي، مهما بدا علنياً، سيبقى محدود التأثير.
لماذا يريد نتنياهو استمرار الحرب؟
العديد من الأسباب تدفع نتنياهو للاستمرار في العمليات العسكرية:
حسابات داخلية: الحرب على غزة تحوّلت إلى وسيلة لترميم شعبيته المتراجعة، وإسكات الانتقادات التي تتهمه بالتساهل في ملف الرهائن أو بالفشل في ردع حماس.
كسر حماس عسكرياً: نتنياهو يسعى، كما يبدو، لتحقيق صورة “الانتصار الكامل” على حماس، حتى وإن كان الثمن مئات الضحايا من المدنيين الفلسطينيين.
رفض أي تسوية تكرّس حكم حماس: من منظور نتنياهو، وقف إطلاق النار حالياً قد يكرّس وجود حماس كسلطة بحكم الأمر الواقع في غزة، وهو ما يرفضه تماماً.
تحدي النفوذ الأميركي: يحاول نتنياهو أن يُظهر أن إسرائيل قادرة على العمل بمصالحها الخاصة دون الخضوع الكامل للإملاءات الأميركية، مستفيداً من حالة السيولة السياسية داخل الولايات المتحدة.
الخلاف بين ترمب ونتنياهو بات واقعاً ملموساً، مدفوعاً بعدم تجاوب إسرائيل مع مطالبات بوقف إطلاق النار، وسط تصاعد غير مسبوق في أعداد القتلى الفلسطينيين. ومع ذلك، لا يبدو أن نتنياهو سيستجيب للضغوط قريباً، فهو يرى أن استمرار الحرب يخدم بقاءه السياسي، ويحقق له مكاسب ميدانية واستراتيجية، ولو على حساب المدنيين الأبرياء في غزة، الذين يتحملون وحدهم الكلفة الحقيقية لهذا العناد السياسي والعسكري.