الهجوم الذي نفذته حركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023 مثّل واحدة من أسوأ الكوارث الأمنية والعسكرية في تاريخ إسرائيل. لم يكن مجرد اختراق عسكري، بل هزة داخلية كشفت عن هشاشة منظومة الأمن والاستخبارات، وأشعلت غضبًا شعبيًا واسعًا ضد الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو. ومع مرور الأشهر، يزداد التركيز على المسؤولية السياسية عن هذا الإخفاق، لا سيما بعد امتناع الحكومة عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، رغم مطالبات قضائية وجماهيرية متصاعدة.
الهجوم، الذي أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 1500 إسرائيلي، بينهم مدنيون وجنود، واحتجاز عشرات الرهائن، عرّى ما تعتبره قطاعات واسعة من الإسرائيليين “فشلًا متعدد المستويات” في الردع والاستخبارات والقيادة السياسية. وبدلاً من المسارعة إلى التحقيق الشامل، قررت حكومة نتنياهو، في خطوة وُصفت بالهروب إلى الأمام، تشكيل “لجنة تحقيق خاصة” تفتقر إلى الاستقلالية والصلاحيات القضائية، وهو ما زاد الغضب الداخلي وأشعل اتهامات بمحاولة طمس الحقائق.
فشل استخباري
المعارضة، ممثلة بيائير لابيد وبيني غانتس، ترى أن نتنياهو يرفض تشكيل لجنة مستقلة ليس فقط لحماية نفسه سياسيًا، بل لأنه يعلم أن نتائج تحقيق حقيقي ستُدينه بشكل مباشر، لا باعتباره مجرد مسؤول، بل كمصدر للقرارات التي أدت إلى هذه الكارثة. فنتنياهو، بحسب خصومه، هو من أدار سياسات الأمن في السنوات الأخيرة، وهو من أصر على استراتيجية “إضعاف السلطة الفلسطينية وتقوية حماس” في غزة بهدف خلق انقسام دائم بين الضفة والقطاع، وهو ما عاد عليه اليوم كـ”سحر انقلب على الساحر”.
التصريحات الرسمية تواصل إنكار مسؤولية القيادة السياسية عن الحدث، مع تحميل الشاباك والجيش بعض اللوم. إلا أن شخصيات أمنية إسرائيلية بارزة، مثل الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك يعقوب بيري، حذّرت من محاولة التملص من المسؤولية السياسية، مشيرة إلى أن الفشل الاستخباري – رغم خطورته – لا يعفي القيادة السياسية من مساءلة أعمق. فالقضية لا تتعلق فقط بعدم الإنذار، بل ببيئة كاملة من القرارات التي سبقت الهجوم، أبرزها التقديرات الخاطئة حول نوايا “حماس”، والسياسات التي غذّت قدراتها.
نتنياهو مرعوب
المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، أكدت صراحة أن الامتناع عن تشكيل لجنة رسمية “يلحق أضرارًا بالغة” بمبدأ المساءلة، ويهدد الثقة العامة بمؤسسات الدولة. ورغم مطالبة المحكمة العليا للحكومة بتقديم تفسير، تصر حكومة نتنياهو على تمرير مشروع قانون لتشكيل لجنة “مريحة”، لا تمتلك صلاحيات إلزامية أو القدرة على استدعاء مسؤولين كبار أو التحقيق في قرارات ما قبل 7 أكتوبر.
الخوف من التحقيق لا يخفيه نتنياهو، بل يتصرف وفقه. فبحسب محلل القناة 12 أمنون أبراموفيتش، فإن “نتنياهو مرعوب” من لجنة رسمية لأنه يدرك أن المقربين منه، وحتى من عيّنهم، سيضطرون للشهادة ضده. وهذه الشهادات قد تسلط الضوء على نهجه الذي ركز على الاعتبارات السياسية الضيقة، على حساب الأمن القومي، وقلل من شأن التهديدات الأمنية الصاعدة من غزة، مقابل تركيزه على أجندته الشخصية والداخلية، خصوصًا الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل، التي شغلت الحكومة وأشغلت المؤسسة الأمنية.
تسييس قضية التحقيق
الرأي العام الإسرائيلي لم يعد يثق برواية الحكومة. الشارع، الذي ما زال تحت صدمة الفاجعة، يطالب اليوم بمحاسبة سياسية حقيقية، ويفهم أن تجاوز هذه المحاسبة يعني تكرار الكارثة. والأخطر من كل ذلك أن تسييس قضية التحقيق ورفض التعامل مع توصيات القضاء، يُضعف صورة إسرائيل كدولة مؤسسات أمام الداخل والخارج على حد سواء.
7 أكتوبر لم يكن مجرد فشل أمني، بل لحظة فاصلة في التاريخ الإسرائيلي. وهي لحظة تستدعي مواجهة الحقيقة، لا دفنها، مهما كانت مؤلمة. لكن نتنياهو، الذي يخشى أن تكون نهايته السياسية مرتبطة بهذه الكارثة، يختار حتى الآن الهروب بدلاً من الاعتراف. والسؤال المطروح: هل ستصمد هذه المناورة أمام ضغط العائلات، والمحكمة، والشعب؟ أم أن الحقيقة، كما يقولون، ستشق طريقها رغمًا عن الجميع؟