رغم اقتراب فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال يناور سياسياً مستخدمًا تعديلات حركة حماس الأخيرة ذريعة للتراجع أو التباطؤ في تنفيذ الهدنة. فرغم إعلانه مساء السبت عن إرسال فريق تفاوض إلى قطر لإجراء محادثات غير مباشرة، حرص نتنياهو في بيانه على التشديد بأن التعديلات التي طرحتها حماس على المقترح القطري “غير مقبولة”، وهو ما يعكس بوضوح محاولته توظيف هذه التعديلات كغطاء دبلوماسي لعدم التقدم الجدي في المفاوضات.
ضغوط اليمين المتطرف
هذا الموقف لا يبدو معزولًا عن السياق السياسي الداخلي والدولي الذي يواجهه نتنياهو. فمن جهة، لا يزال رئيس الحكومة الإسرائيلية يواجه ضغوطًا داخلية من اليمين المتطرف الذي يرفض أي اتفاق يُنظر إليه على أنه “تنازل” لحركة حماس، خصوصًا إذا ما تضمن بنودًا تتعلق بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين أو انسحاب جزئي من مناطق معينة داخل غزة. ومن جهة أخرى، يدرك نتنياهو أن أي خطوة باتجاه تهدئة حقيقية ستضعه في موقف حرج أمام ناخبيه، خصوصًا في ظل الاتهامات المستمرة بالتقصير في استعادة الرهائن الإسرائيليين.
الأخطر في موقف نتنياهو أنه يعكس استراتيجية مكرسة منذ شهور، تقوم على إبقاء المفاوضات في حالة جمود، مع التلويح الدائم بالاستعداد للتفاوض، ولكن دون الوصول إلى نتائج حاسمة. وفي هذا الإطار، فإن تكرار اتهام حماس بتقديم “مطالب غير مقبولة” يبدو أقرب إلى تكتيك سياسي لتأجيل تنفيذ وقف إطلاق النار، أكثر من كونه اعتراضًا موضوعيًا على مضامين التعديلات نفسها.
إنجاز اختراق سياسي في غزة
وفي الواقع، فإن إعلان حماس، قبل يومين فقط، استعدادها للدخول الفوري في مفاوضات حول مقترح ترعاه الولايات المتحدة، يعكس تحولاً في موقفها، أو على الأقل درجة من المرونة في التعاطي مع المبادرات الدولية. لكن رد الفعل الإسرائيلي على هذا الانفتاح جاء ببيان مزدوج اللغة: إقرار ضمني بالاستعداد للتفاوض، مقابل رفض صريح للتعديلات، وكأن الهدف هو كسب الوقت، وليس إنهاء الحرب.
ولا يمكن فصل هذا التوجه عن السياق الدولي كذلك. فزيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تأتي في وقت حساس، إذ يسعى ترمب إلى الظهور بمظهر “صانع السلام” في الشرق الأوسط، مستفيدًا من حالة التهدئة النسبية بين إسرائيل وإيران، ومحاولًا إنجاز اختراق سياسي في غزة يعزز صورته قبيل الانتخابات الأمريكية. ومن هنا، فإن نتنياهو قد يكون مضطرًا إلى إظهار مرونة تكتيكية أمام ترمب، عبر إرسال وفد إلى قطر، دون أن يكون ملتزمًا فعليًا بالتقدم نحو اتفاق نهائي.
تبرير استمرار الحرب
يبدو أن نتنياهو يستخدم تعديلات حماس كذريعة منظمة لعرقلة تنفيذ الهدنة، وليس لرفض جوهر الاتفاق، وذلك بهدف تحقيق مكاسب سياسية على أكثر من جبهة. فهو من جهة يرضي اليمين الإسرائيلي المتشدد، ومن جهة أخرى يتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأمريكية.
ومن جهة ثالثة، يواصل الضغط على حماس في محاولة لاستنزافها سياسيًا وعسكريًا. وبذلك، تتحول مطالب حماس إلى أداة دعائية إسرائيلية، تُستغل لتبرير استمرار الحرب، وليس لإنهائها، بينما تبقى غزة رهينة لعبة سياسية تتجاهل كلفة الحرب الحقيقية على المدنيين.