تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المصاحبة لتصريحات وزير الدفاع يسرائيل كاتس، رفضاً قاطعاً للتقارير التي تتهم الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين أثناء اقترابهم من مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة. وتحديداً، يتعامل نتنياهو مع تقرير صحيفة «هآرتس» بنبرة حادة، واصفاً مضمونه بـ”الأكاذيب الخبيثة”، معتبراً أنه محاولة لتشويه صورة الجيش الإسرائيلي.
أكاذيب نتنياهو
هذه التصريحات تحمل في طياتها عدة دلالات سياسية وأمنية، خصوصاً في ظل تصاعد الانتقادات الدولية لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة، ومع استمرار التغطيات الإعلامية التي تسلط الضوء على الكارثة الإنسانية في القطاع. نتنياهو، من خلال هذا الموقف، يسعى إلى تثبيت صورة مفادها أن الجيش الإسرائيلي يلتزم بالمعايير الأخلاقية والقانونية، وأن ما يقال خلاف ذلك هو إما دعاية مغرضة أو مزاعم بحاجة إلى التحقق. لذلك، يؤكد أن الجيش “يحقق” في الحوادث التي سقط فيها مدنيون، في محاولة للتأكيد على وجود آليات للمساءلة والمراجعة.
غير أن هذا الخطاب يحمل أيضاً بعداً دفاعياً يتقاطع مع الضغط المتزايد الذي تواجهه إسرائيل في المحافل الدولية. فرفض التقرير جملة وتفصيلاً، واتهامه بمحاولة “تشويه صورة الجيش”، يعكس إدراكاً لدى القيادة الإسرائيلية بأن صورة الجيش أمام الرأي العام الغربي باتت عرضة للتآكل، خصوصاً بعد توالي الحوادث التي تُظهر سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، ومنهم من كانوا فقط يسعون للحصول على الغذاء في ظل أزمة مجاعة غير مسبوقة.
التبريرات العسكرية التقليدية
وفي السياق نفسه، يأتي الحديث عن دور “مؤسسة غزة الإنسانية”، المدعومة من شركة مقاولات أمريكية، لتضيف طبقة من التعقيد إلى المشهد؛ فاستهداف المدنيين عند نقاط توزيع تديرها جهة أمريكية خاصة قد يحرج إسرائيل أمام حليفتها الكبرى، الولايات المتحدة، التي تُعد إحدى الجهات الداعمة لهذا النوع من المبادرات الإنسانية. ومن ثم، فإن التأكيد على أن التحقيقات جارية، وأن ما نشر في الإعلام “مضلل”، يُعد جزءاً من مسعى نتنياهو لتخفيف وطأة الانتقادات الدولية المحتملة، ومنع تحوّل الحادثة إلى نقطة ضغط دبلوماسية.
اللافت أيضاً أن نتنياهو لم ينكر سقوط مدنيين أثناء اقترابهم من مواقع المساعدات، بل ركّز على نفي “تعمد” إطلاق النار عليهم. هذا التفريق بين “النتائج” و”النية” يحمل أهمية كبيرة في الخطاب القانوني، لأنه يهدف إلى تبرئة الجيش من تهمة ارتكاب جرائم حرب أو استخدام القوة بشكل غير متناسب، مع إبقاء المجال مفتوحاً أمام التبريرات العسكرية التقليدية، مثل “الارتباك الميداني”، أو وجود “تهديد أمني” ضمن الحشود.
موجة انتقادات متزايدة
في المجمل، تمثل تصريحات نتنياهو محاولة لضبط السردية الإسرائيلية في مواجهة موجة انتقادات متزايدة، خصوصاً في ظل الأرقام المفزعة التي تشير إلى مقتل أكثر من 500 مدني أثناء محاولاتهم تلقي المساعدات، فضلاً عن آلاف القتلى والمصابين منذ بداية الحرب. وهي تعكس كذلك حاجة داخلية إسرائيلية لطمأنة الرأي العام بأن الجيش لا يتصرف خارج القانون، بالتوازي مع احتواء أي تبعات سياسية أو قانونية دولية محتملة.
لكن، مع ذلك، فإن تجاهل الاتهامات، أو الاكتفاء بنفيها دون شفافية حقيقية في التحقيقات، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تزداد الشكوك الدولية، ويُنظر إلى التصريحات الرسمية على أنها محاولة للهروب من المحاسبة، لا السعي نحو الحقيقة.