تصريحات يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحمل دلالات متعددة تعكس أبعاداً سياسية واجتماعية وأمنية داخل إسرائيل، وتفتح نافذة على الأزمة العميقة التي تمر بها الدولة العبرية على أكثر من صعيد.
أول ما يلفت النظر هو توقيت خروجه من إسرائيل، مطلع عام 2023، والذي تزامن مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد خطة الحكومة لتقويض استقلال القضاء. ربط يائير قراره بمغادرة البلاد بخوفه على حياته يكشف حجم الانقسام الداخلي الحاد في المجتمع الإسرائيلي، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على مستوى الشعور بالانتماء والأمان.
عمليات اقتحام شعبية
ابن رئيس الوزراء – الذي يُفترض أنه محاط بأعلى درجات الحماية – يصرّح علنًا بأنه شعر بتهديد حقيقي، بل ويصف المحتجين بـ”الفاشيين” ويشبّه تصرفاتهم بعمليات اقتحام شعبية تهدف إلى بث الرعب. هذه اللغة توضح حجم الانفصال بين معسكرات النخبة الحاكمة ومعارضيها، وتُظهر نظرة نجل نتنياهو إلى المعارضة بوصفها خطراً وجودياً لا حركة سياسية شرعية.
ثم إن اتهامه لمؤسسات الدولة – لا سيما الشرطة – بالتقاعس عمداً عن حمايته، وتلميحه إلى “أوامر عليا” بالسماح بحدوث الفوضى، ينطوي على رسالة مزدوجة: الأولى تجاه المؤسسة الأمنية التي طالما كانت جزءاً من العمود الفقري للدولة الإسرائيلية، والثانية تجاه خصوم والده، وكأنهم يحاولون كسر إرادة الحكم من خلال “ترويع العائلة”. هذه الاتهامات تعزز من خطاب المظلومية الذي تتبناه عائلة نتنياهو، وتقدم سردية تبرر تصرفات رئيس الحكومة، بما في ذلك محاولاته فرض سيطرة سياسية أكبر على القضاء، بوصفها رداً على “انحراف” مؤسسات الدولة عن دورها الأصلي.
الديمقراطية الإسرائيلية شكلية
أما المقارنة بين إسرائيل وإيران، فهي ليست مجرد مبالغة سياسية بل تمثل محاولة لرسم مشهد دراماتيكي يقول فيه نجل نتنياهو إن “الديمقراطية الإسرائيلية أصبحت شكلية”، وأن “المحكمة العليا تمارس سلطات غير منتخبة شبيهة بسلطة رجال الدين في إيران”. هذه المقارنة تهدف إلى شيطنة الجهاز القضائي في إسرائيل، الذي يُعد العائق الأبرز أمام أجندة اليمين بقيادة نتنياهو، وتضفي شرعية على محاولات تقليص سلطاته. اللافت أن مثل هذه التصريحات تصدر من خارج البلاد، وفي لحظة تتزامن مع جرائم حرب موصوفة في غزة، مما يثير تساؤلات عن الهدف من توقيتها، وهل تمثل نوعاً من الضغط الإعلامي على الرأي العام الإسرائيلي والدولي معاً.
تصريحات يائير نتنياهو أيضاً تُظهر فشلاً في احتواء الخطاب السياسي داخل إسرائيل. فبدلاً من تبريد الجبهة الداخلية في ظل التوترات الأمنية الإقليمية، يتخذ نجل رئيس الوزراء موقفاً متصلباً وعنيفاً تجاه المعارضة، ويحول الصراع السياسي إلى صراع وجودي شخصي. هذا يعزز من حالة الاستقطاب المجتمعي ويزيد من هشاشة النسيج الوطني، خصوصاً أن المجتمع الإسرائيلي يشهد انقسامات غير مسبوقة، سواء بين العلمانيين والمتدينين، أو بين اليمين واليسار، أو بين اليهود الشرقيين والغربيين.
تصدّع الداخل الإسرائيلي
أخيراً، الاتهامات التي وجهها لحركة “كابلان” باستخدام محققين خاصين لمراقبته، ووصفه لخصوم والده بأنهم “مختلون عقلياً”، تقدم صورة واضحة عن مدى الانفصال بين مؤسسة الحكم وقطاعات واسعة من الشعب. هذه اللغة السياسية العنيفة والمشحونة تشير إلى غياب أي مشروع توافقي جامع داخل إسرائيل، وترسّخ حالة الانقسام باعتبارها الوضع الطبيعي الجديد.
تصريحات يائير نتنياهو ليست مجرد شهادة شخصية عن الخوف أو المنفى، بل هي مؤشر خطير على تصدّع الداخل الإسرائيلي، وانكشاف هشاشة المنظومة الديمقراطية في دولة تعيش على وقع أزمات متراكبة، من القضاء إلى الحرب، ومن الداخل إلى الخارج.