قطعا دون شك أو ريب ، فإن مشكلة فلسطين الرئيسية هي الإحتلال الإسرائيلي. عبر سنوات طويلة من القمع و القتل و الإستيطان ، و أخيراً إبادة للبشر و الحجر في قطاع غزة . هذه حقيقة مطلقة لا يمكن تجاهلها ولا حتى توظيفها ، فالمعروف لا يعرف . ولكن أقولها وبكل صدق ، ان مظاهرات غزة بالأمس و التي طالبت بحقوقهم بالعيش و وقف الإبادة و تنازل حماس عن حكم غزة ، لم يكن إلا صرخة كبيرة قد سبقتها صرخات سابقة إستخفت بها حماس أحيانا و قمعت المطالبين بالحقوق أحيانا كثيرة . وهنا السؤال أين المشكلة ؟ ولماذا الآن؟
المشكلة أن سكان قطاع غزة معظمهم لا ينتمي إلى فكر جماعة الإخوان المسلمين ، و انه شعبا مشابها لتركيبة الشعوب العربية الأخرى ، فبتالي هناك إختلاف أيديولوجي واضح بين فكر حماس و توجهات العديد من فئات الشعب، والتي ضربت حماس اراؤهم و أفكارهم عرض الحائط على مدار سنوات طويلة؛ محتمية بكلمة ( المقاومة )؛ و يكأن المقاومة هي الدرع و الناقد لها بمثابة عميل و خائن وجب قتله . على الرغم أن حركة حماس بحاجة إلى تعريف المقاومة و أشكالها و تعريف هوية المقاوم قبل أي أحد .
فعناصر المقاومة الذي يؤلمون العدو هم ” نحن” ، أبناؤنا و إخواننا ، ولكن النقد هنا لسواتر المقاومة المعروفة ” بالقيادة” أصحاب الكروش العفنة ، و ملاك العقارات في تركيا والجزائر و موريتانيا و ماليزيا و غيرهم . والتي ملامح الحرب لم تظهر عليهم الا في إرتفاع أرصدتهم البنكية .
أما لماذا الآن ؟! لأن الشعب في غزة قد إنتخب حماس عام 2006م، على برنامج ” التغيير و الإصلاح ” ولم يرى الشعب سوى الدمار و الغلاء و الخراب ، و ان التغيير والاصلاح في منظورهم لم يرى الا على فئة كانت لاشئ فأصبحت الملايين حق لهم ولاولادهم من بعدهم ؛ ففي سنوات الحصار و الحروب افتقر وانتكب الشعب ؛ وإغتنت حماس ، بأساليب قذرة ، فتارة من جمع الاموال لارصدتهم، تارة قوافل فك الحصار، وأخيراً سرقة المساعدات و القيام بدور التجار …. نعم أنتم الفئة الأكبر من تجار الحرب في غزة .
وصحيح قد جاءت حركة حماس بعملية إنتخابية ولكنها ليست نتيجة أبدية ، فكل مكونات النظام السياسي الفلسطيني قائمة على سياسة الأمر الواقع بشكل ديكتاتوري قمعي مقيت ، وقد حان أن يقول الشعب كلمته الآن وكل أربعة سنوات . فلا شرعية لأحد و يكفي تساقط القيادات علينا من السماء، و التي لم نسمع عنهم ولم نعرفهم شيئا ، فقائد الحزب لحزبه لا وصاية له على الشعب . وعليه فإن قرار الحرب لم يكن قرارا فلسطينيا ؛ وان متخذ القرار لا يمتلك تفويضاً شعبياً ، وان أسرانا الأبطال ليسوا أغلى من أطفالنا ، و أن الأسير الذي يقبل بهكذا ثمن عليه أن لا يحدثا عن أي بعد وطني أو ديني .
وعليه فإن المطلوب ، أن تعلم حركة حماس أن 56 أسيراً إسرائيليا لا يساوي طفلا في غزة ، و لا شرف إمراة و لا إهانة شيخا . وأن أهل غزة أعزاء كرماء لا يقبلون الاهانة ، و ان ما قدمه الشعب في غزة قد فاق كل التوقعات ليسوا لأنهم حماس بل لأنهم وطنيون بالفطرة و يمتلكون حبا للأرض لا يمتلكه أحد … فلا مجال للمزايدة .
لذلك بات هناك مطلبا فلسطينياً يتمثل في تبني الرؤية العربية كاملة و غير منقوصة ، ونزع كافة الذرائع عن العدو في تبرير ابادته لغزة و اهلها ، ولنبدأ رحلة إعادة بناء الإنسان والوطن.