تشير التطورات الأخيرة في قطاع غزة إلى تفاقم غير مسبوق في المأساة الإنسانية التي يعيشها السكان المدنيون، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية التي تجاوزت حدود العمليات العسكرية لتتحول إلى كارثة إنسانية شاملة. فمع مقتل 37 شخصاً وإصابة العشرات خلال يوم واحد، جراء الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف، يتضح أن الكلفة البشرية لهذا النزاع تزداد يوماً بعد يوم، مع تصاعد وتيرة الاستهداف للمناطق السكنية، بل وللمدنّيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية.
استهدف مدنيين أثناء انتظارهم المساعدات
أحد أبرز مشاهد هذه المأساة يتجلى في ما حدث قرب محور نتساريم وسط القطاع، حيث أفادت مصادر طبية بوصول جثث 18 شخصاً إلى مستشفى الشفاء بعد إطلاق نار استهدف مدنيين أثناء انتظارهم لمساعدات غذائية. هذا المشهد الذي بات يتكرر في أكثر من موقع، يعكس اختلالاً حاداً في قواعد الاشتباك، حيث لم يعد التمييز بين المدني والمقاتل أمراً يؤخذ به في الميدان، الأمر الذي يثير أسئلة جدية حول مدى التزام القوات الإسرائيلية بالقانون الدولي الإنساني.
في خان يونس جنوب القطاع، لا يقل المشهد مأساوية، حيث أسفرت غارات جوية عن مقتل تسعة أشخاص، في حين لا تزال أعمال البحث عن ناجين أو جثث تحت الأنقاض جارية. هذا المشهد يتكرر أيضاً في مدينة غزة ومخيم النصيرات، ما يضع السكان في حالة دائمة من الرعب والعجز، ويجعل من كل تجمع بشري هدفاً محتملاً.
البحث عن مناطق آمنة
إلى جانب القصف والضحايا، تزداد الأزمة تعقيداً بفعل الانهيار الكامل للمقومات الأساسية للحياة. المستشفيات، مثل مستشفى الشفاء، تعاني من ضغط هائل، ونقص في الإمدادات الطبية، في وقتٍ يتزايد فيه عدد الجرحى بشكل يومي. وتفيد منظمات إنسانية أن الوضع الصحي في القطاع بات على شفا الانهيار، مع صعوبة إدخال المساعدات وتدمير البنية التحتية الصحية.
الأزمة المعيشية تتجاوز حدود المستشفيات لتشمل نقص الغذاء والماء الصالح للشرب، وتردّي خدمات الصرف الصحي، وارتفاع معدلات النزوح الداخلي. مئات الآلاف من السكان باتوا بلا مأوى، يتنقلون من منطقة إلى أخرى بحثاً عن مناطق “آمنة”، رغم أن مفهوم الأمان بات غائباً تماماً في ظل امتداد القصف إلى كل مناطق القطاع من شماله إلى جنوبه.
غزة ضحية الصراع العسكري
وفي هذا السياق، تحذر منظمات إنسانية دولية من أن استمرار العمليات العسكرية بهذا الشكل، دون فسح المجال لإغاثة حقيقية ومنتظمة، يعني تعريض مئات الآلاف من المدنيين لخطر المجاعة والأوبئة، فضلاً عن الصدمات النفسية الجماعية التي ستحتاج سنوات طويلة لتجاوزها.
ما تشهده غزة ليس مجرد صراع عسكري بين طرفين، بل هو انهيار كامل لبيئة الحياة الإنسانية. مزيج من الاستهداف العسكري المباشر، وانهيار الخدمات، وعجز المجتمع الدولي عن فرض حماية حقيقية للمدنيين، جعل من القطاع ساحة مأساة إنسانية متواصلة، حيث يسقط الضحايا بالعشرات يومياً، ويصارع الباقون للبقاء على قيد الحياة في ظروف أشبه بالجحيم.