من المبكر الحكم على ما إذا كان الانقلاب، الذي حصل في التعامل بالشيكات في تونس سيجعل الاقتصاد يدخل في دوامة ركود فوق الركود الذي يعيشه أساسا أم لا، نتيجة انحسار التعاملات والاستهلاك باعتماد هذه الوسيلة “المنقذة” لأكثر من نصف السكان والآلاف من الشركات. يحتاج الأمر أولا إلى الاستيقاظ من هذه الصدمة.
للوهلة الأولى يبدو تطبيق القانون الجديد تسبب في حدوث تعقيدات مهمة على الأقل نظريا منذ دخوله حيز النفاذ مطلع فبراير 2025، سواء بالنسبة للشركات أو للأفراد. المشاكل التي يتم تسليط الضوء عليها، مثل الارتباك في المعاملات التجارية، والصعوبات المتعلقة بتسوية الشيكات القديمة، والتأثير على السيولة، قد تكون لها تداعيات على الاستقرار الاقتصادي وسلاسة المدفوعات.
في حين أن نظام الشيكات مهدد بالاندثار في بلدان أخرى مع إصلاح الأنظمة المالية وغزو التكنولوجيا المالية كافة مناحي الحياة، فإنه في تونس ليس وسيلة دفع بسيطة، بل ضمانة، وحتى ائتمان، لأن المتعاملين كانوا يعتمدون هذه الأداة حتى لو لم يكن لديهم رصيد من خلال المخاطرة بالسجن. كانت هذه الأداة التي تقول الأرقام إن التعامل بها تراجع بنسبة تتجاوز 90 في المئة في غضون ستة أسابيع، منذ فترة طويلة وسيلة شائعة للدفع. هي عبارة عن جرعة أكسيجين تماما مثل تطبيقات “اشتر الآن وادفع لاحقا” التي نراها اليوم.
إذا كانت القواعد الجديدة تتسبب في تعقيد عملية صرف أو إدارة هذه الأدوات، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل توفر السيولة بالفعل. هذا بحد ذاته خطر ويجعل معايير الثقة تقل، مما سيؤثر على قدرة قطاع الأعمال والأنشطة التجارية على تلبية الالتزامات من رواتب الموظفين والموردين وما إلى ذلك. قد يضر هذا بشكل خاص بالشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد غالبا على الشيكات لإدارة تعاملاتها.
أحد التأثيرات التي نراها هو الارتباك الذي قد يحدث في المعاملات التجارية. إذا لم تتأقلم الشركات والأفراد بسرعة معها، فقد يؤدي هذا إلى إبطاء التبادلات الاقتصادية وتغذية التوترات وقد تتراكم الخسائر وتقل الإيرادات، خاصة في سياق حيث تكون مواعيد السداد حاسمة للسلامة المالية للجهات الفاعلة. قد تجد الشركات نفسها في مواقف تدفعها إلى الضغط على أعمالها عبر إعادة ترتيب أولوياتها.
في سوق كانت ولا تزال نسبة كبيرة من السكان تفضل التعامل بالشيكات، فإن التغيير المفاجئ بداعي ترقيع مشاكل قديمة تتعلق مرة بأساليب التحايل ومرة بالاختلاس وثالثة بنشاط السوق السوداء قد يؤدي لاحقا إلى عدم المساواة في الوصول إلى الخدمات المصرفية.
كيف ذلك؟ الأشخاص الذين لديهم قدرة أقل على الوصول إلى البنوك أو أولئك الذين يعيشون بعيدا عن المراكز الحضرية سيواجهون صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد، ما قد يؤدي إلى زيادة التفاوت الاجتماعي والطبقي وربما تأثيرات على سوق العمل. في الواقع كل الاحتمالات السلبية واردة.
من الممكن أن تكون لإصلاح قواعد استخدام الشيكات آثار مختلطة. في الأمد القريب، قد تظهر صعوبات، وخاصة في ما يتصل بإدارة الأموال لدى الشركات والمعاملات التجارية التي تتطلب أحيانا وفرة كبيرة في السيولة. ومع ذلك، على المدى الطويل، قد يوفر هذا الإصلاح فوائد من حيث الحد من الاحتيال، وتحديث النظام المالي، وتعزيز وسائل الدفع الأكثر حداثة وأمانا.
يعتمد نجاح ذلك إلى حد كبير على كيفية تنفيذه وقدرة اللاعبين الاقتصاديين على التماهي بسرعة مع القواعد الجديدة. فالدولة لديها هدف واضح وهو جعل سياسة الردع أولوية بالنسبة لأولئك الذين ظلوا يتهاونون في استخدام هذه الأداة بلا انضباط، لكنها تغافلت عن أن وقعه على النمو الاقتصاد سيأتي بنتائج عكسية على دورة الأعمال والاستهلاك وخصوصا المبادلات التجارية.
هذا الإصلاح إذ كان يهدف إلى مواءمة الممارسات التونسية مع المعايير الدولية، فقد تكون لذلك آثار إيجابية على اندماج الاقتصاد في الاقتصاد العالمي. من شأن هذا أن يجعل المعاملات المالية أكثر شفافية وتماشيا مع أفضل المعايير الدولية، وبالتالي تعزيز مصداقية الدولة في دعم قطاع الأعمال.
الجانب الإيجابي الآخر لهذا التحول هو إخراج المحتالين من الدورة الاقتصادية. بالحد من استخدامها وإخضاعها لقواعد أكثر صرامة، قد يقل عدد الشيكات المرتجعة، ما من شأنه أن يساعد على تحسين بيئة الاستثمار المكبلة بكثرة العوائق أصلا، مع تعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين.
الوضع الجديد ربما يسرع التحول إلى وسائل دفع أخرى فعالة، وخاصة المدفوعات الإلكترونية والتحويلات البنكية والمدفوعات عبر الهاتف المحمول، وغيرها. هذا سيشكل تغييرا إيجابيا على المدى الطويل، وسيسهم في تحديث النظام المالي التونسي فقط إذا توفرت السيولة. مع ذلك، قد يكون هذا صعبا بالنسبة لجزء من السكان الذين لم يتعرفوا بعد بشكل كامل على هذه التقنيات.
سيكون من الضروري إجراء تقييم منتظم للقانون وتأثيراته وإدخال تعديلات اعتمادا على المشاكل التي تمت مواجهتها في الواقع، لضمان أن يكون التنفيذ فعالا للاقتصاد بأكمله. الأمر منوط بعهدة الحكومة ثم المشرعين. هنا، لا نملك مقاييس تحدد لنا قدرة المسؤولين على فهم واقع الحال حتى يقوموا بأي تغيير ملح لاحقا.
حتى يستوعب التونسيون ما حصل سيكون الأمر محكوما بعاملين اثنين، الأول مدى تحقيق الحكومة هدفها من هذا التغيير لكي نشيد به إن استحق ذلك، والثاني انعكاساته على التعاملات المالية وكل ما له علاقة بالاستهلاك والتجارة حتى ننتقد قصوره وثغراته إن وجدت. هذا يتطلب وقتا لمعرفة مدى تأثير خنق التعامل بالشيكات على الاقتصاد الذي لا يزال يبحث عن متنفس منذ سنوات، ولكن بلا جدوى. ننتظر وسنرى..