في بيان وصف بالتاريخي، أعلن الجيش السوداني، اليوم الثلاثاء، اكتمال تطهير كامل ولاية الخرطوم من أي وجود لعناصر مليشيا الدعم السريع، مؤكدًا بذلك نهاية فصل دموي من الصراع الذي مزق العاصمة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عام.
وأعلن المتحدث باسم الجيش في مؤتمر صحفي أن القوات المسلحة السودانية أحكمت السيطرة على كافة المواقع الاستراتيجية والمقار الحكومية ومداخل ومخارج الخرطوم، مضيفًا أن عمليات تمشيط واسعة لا تزال جارية للتأكد من خلو الأحياء من أي جيوب للمتمردين.
معارك الأيام الأخيرة
شهد الأسبوع الأخير تصعيدًا عسكريًا حاسمًا، استخدم فيه الجيش السوداني تكتيكات مركبة بين القصف المدفعي والطيران المسيّر وعمليات الاقتحام المباشر. وتحديدًا في أحياء “جبرة” و”الصحافة” و”بحري”، تمكنت القوات الخاصة من القضاء على آخر نقاط تمركز الدعم السريع، بعد معارك وُصفت بأنها “الأعنف” منذ بداية النزاع.
وأفادت مصادر عسكرية بأن قيادات ميدانية في الدعم السريع فرت خارج الخرطوم، فيما استسلم العشرات من المقاتلين بعد انقطاع خطوط الإمداد، مشيرة إلى أن الجيش بات يسيطر الآن على الأرض، والسماء، والمعلومات.
هل انتهى وجود الدعم السريع؟
ورغم إعلان الجيش عن انتهاء الوجود المسلح للدعم السريع في الخرطوم، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن بعض عناصر المليشيا لا تزال تنشط في مناطق غرب البلاد ودارفور. ومع ذلك، فإن استعادة العاصمة تمثل ضربة قاصمة للجماعة المسلحة، وتقلل من قدرتها على شن عمليات منظمة.
وفي هذا السياق، قال اللواء المتقاعد أحمد فضل الله: “خسارة الخرطوم هي نهاية سياسية وعسكرية للدعم السريع، لأن العاصمة هي القلب، ومن يخرج منها يفقد شرعية القوة تمامًا”.
الحياة تعود تدريجيًا
مع هدوء أصوات الرصاص، بدأت مظاهر الحياة تعود إلى شوارع العاصمة، وفتحت بعض المحال التجارية أبوابها، وبدأت الأسر التي نزحت سابقًا بالعودة تدريجيًا إلى منازلها، وسط جهود من الجيش لتأمين الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء.
ورغم ذلك، لا تزال التحديات الأمنية والإنسانية قائمة، فهناك أحياء مدمرة بالكامل، وشبكات البنية التحتية تحتاج إلى إعادة تأهيل فورية. وتبقى عودة المدارس والمستشفيات مرهونة بتحقيق استقرار دائم وبدء مرحلة التعافي.
هل اقتربت نهاية الحرب؟
ويفتح تحقيق هذا النصر الاستراتيجي للجيش السوداني الباب واسعًا أمام تسوية سياسية شاملة، قد تُنهي واحدة من أعنف الحروب الأهلية في تاريخ السودان الحديث، ويترقب المجتمع الدولي والمحليون مبادرة سياسية جديدة تقودها الحكومة الانتقالية، مدعومة بغطاء شعبي ودولي.
وقالت الباحثة في الشأن السوداني، د. سلمى عبد الكريم: “نهاية المعارك في الخرطوم فرصة نادرة يجب ألا تُهدَر، فالشعب السوداني بحاجة إلى سلام حقيقي، وليس مجرد نصر عسكري”.
ما مستقبل السودان؟
ينظر السودانيون اليوم إلى الأفق، متسائلين: هل تبدأ رحلة البناء بعد أن وضعت البنادق أوزارها في العاصمة؟، ولكن يبدو أن الحكومة السودانية تواجه الآن تحديًا كبيرًا في إعادة الإعمار، وتحقيق المصالحة الوطنية، وتثبيت الاستقرار، وصولًا إلى انتخابات حرة تنهي سنوات من الانقلابات والحروب.
ويبقى الأمل معقودًا على أن يكون هذا “الانتصار” بداية لسلام دائم، يُخرج السودان من دوامة العنف إلى عهد جديد من الوحدة والتنمية.