أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) مساء الأحد فتح تحقيق رسمي في ما وصفه بـ”هجوم إرهابي مستهدف” استهدف تظاهرة مؤيدة لإسرائيل في مدينة بولدر بولاية كولورادو.
الحدث الذي وقع وسط مدينة كانت حتى وقت قريب تُعدّ من أكثر المناطق هدوءًا في غرب الولايات المتحدة، أعاد إلى الواجهة المخاوف القديمة من امتداد الصراعات الخارجية إلى الداخل الأميركي، لا سيما في ظل ما يشهده العالم من استقطاب حادّ على خلفية الحرب في غزة وارتفاع وتيرة العنف السياسي والخطاب التحريضي على منصات التواصل الاجتماعي.
مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، أكد عبر منشور على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن الوكالة “على علم بالهجوم الإرهابي الذي وقع في بولدر وتتعامل معه بكل جدية”، مضيفًا أن عناصر الـFBI وقوات إنفاذ القانون المحلية تتواجد ميدانيًا في موقع الحادث، وتعمل على جمع الأدلة وتحديد دوافع المهاجم أو المهاجمين، وسط حالة من الترقب بشأن ما إذا كانت الحادثة فردية الطابع أم تأتي ضمن سلسلة تهديدات أوسع.
في الوقت الذي لم تصدر فيه حتى الآن أي معلومات تفصيلية عن طبيعة الهجوم أو عدد الإصابات والخسائر، فإن مجرد توصيف الحادث على أنه “هجوم إرهابي” يحمل دلالات خطيرة، ويكشف عن تغير في نمط التهديدات الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة داخليًا، إذ لم يعد العنف موجّهًا عشوائيًا أو بدوافع نفسية معزولة، بل بات يستهدف تجمعات مدنية لأغراض سياسية أو أيديولوجية.
ويأتي هذا الهجوم في سياق متأزم على المستوى الشعبي الأميركي، حيث تتزايد التظاهرات المؤيدة والمعارضة للسياسات الإسرائيلية في غزة، ويحتدم الجدل في الجامعات ووسائل الإعلام حول حدود التعبير والمساءلة الأخلاقية. وقد سبق أن شهدت عدة جامعات ومؤسسات حوادث توتر وتراشق لفظي وحتى اعتداءات جسدية على خلفيات مشابهة، لكن حادثة بولدر تمثل نقلة نوعية كونها تُصنّف ضمن الأعمال الإرهابية وفق توصيف السلطات.
السلطات المحلية في كولورادو، التي لم تتعافَ بعد من صدمات سابقة شهدتها الولاية، سارعت إلى تعزيز إجراءات الأمن في الأماكن العامة والمراكز الدينية والثقافية، فيما دعت الشخصيات الرسمية إلى التهدئة، محذّرة من مغبة الانجرار إلى ردود فعل انتقامية أو استغلال الحادثة لتغذية الانقسام الداخلي.
لكن ورغم هذا التحرك الرسمي، فإن الحادث يعيد طرح أسئلة عميقة تتعلق بمدى قدرة النظام الأمني الأميركي على التنبؤ بمثل هذه التهديدات واحتوائها قبل أن تتحول إلى وقائع دامية. كما يثير مخاوف من احتمالية تصاعد موجة من الهجمات ذات الطابع الفردي أو المرتبطة بخلايا نائمة أو تحريض خارجي، خصوصًا مع استمرار حالة الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد.
وفي غياب معطيات دقيقة حتى الآن حول الجهة المسؤولة عن الهجوم، تظل الأنظار موجهة نحو التحقيقات الجارية، وسط خشية من أن يتسبّب الحادث في موجة جديدة من القوانين والتشريعات المقيدة للحريات العامة، كما حدث في أعقاب حوادث سابقة.
إن هجوم بولدر، في دلالاته وتوقيته، ليس مجرد واقعة أمنية معزولة، بل هو إنذار إضافي بأن ما يجري خارج حدود الولايات المتحدة لم يعد بعيدًا عن ساحاتها الداخلية، وأن هشاشة اللحظة السياسية والاجتماعية قد تتحول بسرعة إلى تهديد ملموس، ما لم يُعاد النظر في منظومة الخطاب العام، وأساليب التعامل مع تصدعات الداخل قبل أن تنفجر من الداخل نفسه.