تتواصل المعاناة اليومية التي يكابدها المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية نتيجة سياسة القمع الممنهج التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تتجلى هذه الممارسات في عمليات تجريف الأراضي الزراعية، وهدم المنازل، ومصادرة الممتلكات، كأدوات استراتيجية تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني، وفرض واقع ميداني يخدم مشاريع الاستيطان والتوسع الإسرائيلي.
أبعاد نفسية واجتماعية عميقة
في قرية الساوية جنوب نابلس، تتجسد فصول هذه المعاناة، حيث شرعت آليات الاحتلال، صباح اليوم، بتجريف أراضٍ زراعية قرب مدخل القرية، واقتلعت عشرات أشجار الزيتون، الشاهد الحي على ارتباط الفلسطيني بأرضه ومصدر رزقه. تأتي هذه العملية بعد يوم واحد فقط من صدور قرار رسمي عن سلطات الاحتلال يقضي بتجريف مساحة تُقدَّر بدونم و800 متر مربع، في خطوة جديدة تندرج ضمن سياسة الاقتلاع القسري التي تسعى إلى إفراغ الأرض من سكانها الأصليين لصالح التوسع الاستيطاني.
ليست الساوية استثناءً في هذا المسلسل المتواصل من الاعتداءات، بل تشكل نموذجًا مصغرًا لما تتعرض له عشرات القرى والمناطق الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية. فعمليات التجريف لا تستهدف فقط الزراعة والاقتصاد المحلي، بل تحمل أبعادًا نفسية واجتماعية عميقة، إذ يفقد المزارع مورد رزقه، وتُنتزع منه أرضه التي ورثها عن أجداده، دون أي مسوغ قانوني سوى منظومة احتلال قائمة على السيطرة والإلغاء.
تهجير قسري
بموازاة ذلك، تستمر سياسات هدم المنازل في تكريس حالة انعدام الأمن، حيث يعيش آلاف الفلسطينيين تحت تهديد دائم بفقدان مساكنهم، خاصة في المناطق المصنفة (ج)، والتي تتحكم بها سلطات الاحتلال بشكل كامل. يُجبر السكان في هذه المناطق على البناء بدون تراخيص، لأن الإجراءات الإسرائيلية لا تمنحهم فرصة الحصول على إذن رسمي، ثم تستخدم ذلك ذريعة لهدم مساكنهم، متسببة بتهجير قسري لا يُعلن عنه ضمن الوثائق الرسمية، لكنه ماثل في المشهد اليومي للقرى المهملة والمهدمة.
ويفاقم هذه الممارسات غياب المحاسبة الدولية الفاعلة، حيث تُواجَه الشكاوى الفلسطينية والمناشدات الحقوقية إما بالتجاهل أو بردود شكلية لا تُغير شيئًا من الواقع القائم. ولعل الأشد مرارة أن هذه السياسات تُنفّذ غالبًا في وضح النهار، وتحت حماية عسكرية مشددة، ما يعكس الطابع المؤسسي للاعتداءات، ويجردها من طابع العشوائية أو رد الفعل.
معركة بقاء
في ظل هذه الظروف، تبدو الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وكأنها معركة بقاء متواصلة، حيث يُطالب المواطن بحماية حقه في السكن والعيش الكريم، وفي ذات الوقت يُواجه جرافات الاحتلال التي تقتلع الأشجار وتُهدم الجدران، لتعلن بأن الأرض – في نظر الاحتلال – ليست سوى مساحة للهيمنة، لا موطنًا لشعبٍ يمتد بجذوره فيها منذ قرون.