في خطوة بالغة الأهمية وسط أجواء من الترقب الحذر، انطلقت اليوم السبت في العاصمة الإيطالية روما، الجولة الثانية من المحادثات بين أمريكا وإيران، وذلك تحت وساطة سلطنة عُمان. الهدف المعلن: التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، في محاولة جادة لتجنب تصعيد قد تكون له تداعيات إقليمية ودولية وخيمة.
يقود وفد الجمهورية الإسلامية الإيرانية نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي صرح لدى وصوله إلى روما بتمسك بلاده بالمسار الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، مؤكدًا على ضرورة استغلال هذه الفرصة لتحقيق تفاهم مشترك. وعلى الجانب الآخر، يترأس الوفد الأمريكي المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وتأتي هذه الجولة الثانية من المباحثات بعد أسبوع واحد فقط من اللقاء “غير المباشر” الأول الذي جمع الطرفين في العاصمة العمانية مسقط، والذي جرى أيضًا بجهود الوساطة القيمة التي يبذلها وزير خارجية سلطنة عُمان.
وقبيل انطلاق المفاوضات في روما، التقى عباس عراقجي بنظيره الإيطالي، معربًا عن تقدير إيران للدور الذي لعبته إيطاليا في التنسيق وتوفير التسهيلات اللازمة لعقد هذه الجولة، وذلك بالتعاون الوثيق مع سلطنة عُمان. وشدد عراقجي على أن هذه الجولة، كما سابقتها، تُعقد بوساطة وزير الخارجية العماني وفي مقر إحدى البعثات الدبلوماسية العمانية في روما، تأكيدًا على الدور المحوري الذي تلعبه السلطنة في تقريب وجهات النظر.
إلا أن أجواء التفاؤل الحذر التي تخيم على المحادثات، تأتي في ظل تصريحات قوية اللهجة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فقبل أيام قليلة، لوح ترامب بـ”الخيار الثاني” لإيران في حال فشل المفاوضات النووية، وهو ما فُهم على أنه تهديد ضمني بشن ضربات عسكرية على مواقعها النووية.
ورغم أن ترامب عاد ليصرح يوم الخميس الماضي بأنه “لا يفكر في توجيه ضربات عسكرية وشيكة” ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن “التهديد لا يزال قائمًا”. وفي تعليقه على تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الذي زعم أنه منع إسرائيل من القيام بعمل عسكري مماثل، قال ترامب إنه “ليس على عجلة من أمره للقيام بذلك”، معربًا عن أمله في أن تتمكن إيران من أن تصبح “دولة عظيمة” تعيش بسلام. وأضاف: “أود أن أرى ذلك، هذا خياري الأول. إذا كان هناك خيار ثانٍ، أعتقد أنه سيكون سيئًا للغاية بالنسبة لإيران”.
وفي أول تعليق إيراني رسمي على انطلاق الجولة الثانية، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، على إدراك بلاده “عدم استواء مسار المفاوضات”، مشددًا على أن إيران تخطو خطواتها “بعيون مفتوحة وسجل حافل بخبرات الماضي”.
وعبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، أكد بقائي على أن “السلام الدائم يُولد من الحوار الصادق بين الأمم، وليس من فرض القوة”. وأضاف: “اليوم، ستعقد الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأمريكا في مدينة روما التاريخية، برعاية وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي”. وشدد على أن “الطريق أمامنا ليس ممهداً”، وأن إيران تتعامل مع هذه المحادثات بوعي كامل لتجارب الماضي.
وكانت تقارير إعلامية إيرانية قد أشارت إلى أن طهران وضعت “شروطًا صارمة” قبل الخوض في هذه الجولة من المحادثات، مؤكدة أن “خطوطها الحمراء” تتضمن رفض “لغة التهديد” من الإدارة الأمريكية و”المطالب المبالغ فيها” بشأن برنامجها النووي.
يبقى السؤال الآن: هل ستنجح هذه الجولة الثانية من المفاوضات، التي تجري في ظل ضغوط وتهديدات مبطنة، في تحقيق اختراق حقيقي يقود إلى حل دبلوماسي يرضي جميع الأطراف ويجنب المنطقة خطر التصعيد؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.