الاحتجاجات المتصاعدة داخل إسرائيل، خصوصًا تلك التي تقودها عائلات الأسرى أمام منازل مسؤولين حكوميين، تعكس حجم الضغط الداخلي المتزايد على حكومة نتنياهو بشأن ملف المحتجزين في غزة، وتسلّط الضوء على التصدعات العميقة بين الخطاب الرسمي للحكومة وأولويات الشارع الإسرائيلي، لا سيما عائلات الأسرى التي باتت ترى في تعنّت القيادة السياسية إعاقة مباشرة لأي أمل في إعادة أبنائهم.
صفقة شاملة
المطالبات التي طُرحت خلال هذه الاحتجاجات تتجاوز مجرد استغاثة إنسانية، إذ تحمل مضمونًا سياسيًا واضحًا يدفع باتجاه إبرام “صفقة شاملة” لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو ما يُعد عمليًا نقيضًا للخطاب العسكري الرسمي القائم على استمرار الحرب إلى حين “القضاء التام على حماس”. هذا التباين يعزز مناخ الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي ويضع القيادة في مأزق بين الاستمرار في معركة مفتوحة غير مضمونة النتائج، وبين الرضوخ لضغط شعبي متصاعد يمسّ القاعدة السياسية للحكومة.
اجتماع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع ممثلي العائلات، وتصريحه بأن “الانتصار الوحيد في غزة يتحقق بإعادة المخطوفين”، يعكس بدوره تحوّلاً في المزاج الدولي، وربما تلميحًا ضمنيًا إلى أن الدعم الأميركي للحرب لم يعد مطلقًا، خاصة إذا تعارضت أهدافها العسكرية مع المسار الإنساني والسياسي المتعلق بالمحتجزين. هذا الموقف قد يشكل رافعة ضغط جديدة على إسرائيل لتليين موقفها تجاه هدنة تشمل صفقة تبادل شاملة.
تفكيك حكومة نتنياهو
لكن التأثير المباشر لهذه الاحتجاجات على قرار القيادة الإسرائيلية لا يزال مرهونًا بموازين القوى داخل الحكومة نفسها، لا سيما أن الجناح المتشدد، سواء في الائتلاف أو المؤسسة العسكرية، لا يزال يعارض أي اتفاق يُفهم منه أنه انتصار لحماس أو تراجع عن الأهداف المعلنة للعملية العسكرية. وبالتالي، فإن المعضلة الحقيقية التي تواجه القيادة الإسرائيلية اليوم هي كيفية الموازنة بين إرضاء عائلات الأسرى التي باتت أكثر تنظيماً وصوتاً، وبين الإبقاء على خطاب “الحسم والانتصار” الذي ترفع لواءه الحكومة منذ شهور.
الأهم أن هذه الاحتجاجات، إذا استمرت وتوسعت، قد تتحول من أداة ضغط أخلاقي إلى أزمة سياسية حقيقية تهدد بتفكيك حكومة نتنياهو أو على الأقل فرض تنازلات مؤلمة، خاصة إذا ما ترافق ذلك مع تضاؤل المكاسب العسكرية في غزة، وتزايد الضغط الدولي المطالب بوقف إطلاق النار. وفي هذه الحالة، قد تشكل الاحتجاجات نقطة تحول تجبر الحكومة على الدخول في مفاوضات أكثر جدية تجاه هدنة طويلة الأمد، حتى لو تم تسويقها داخليًا باعتبارها “تكتيكًا مؤقتًا” لإعادة الأسرى، وليس اعترافًا بالفشل.
إعادة تعريف الانتصار
تبدو الاحتجاجات داخل إسرائيل وكأنها بدأت في نقل معركة غزة من الميدان إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، ما يفتح المجال لإعادة تعريف “الانتصار” ويضع قيادة تل أبيب أمام استحقاق حقيقي: إما التقدم نحو صفقة تبادل تفتح الباب لتهدئة، أو الاستمرار في الحرب على حساب أرواح الجنود والمحتجزين وعائلاتهم، مع ما قد يحمله ذلك من كلفة سياسية باهظة في الداخل.