منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر، وبعد سلسلة من التطورات الكارثية التي أسفرت عن دمار غير مسبوق في البنية التحتية وسقوط آلاف الضحايا، لا تزال حركة “حماس” متمسكة بخياراتها السياسية والعسكرية دون أن تُظهر أي مؤشرات حقيقية على الاستجابة لمطالب السلطة الفلسطينية أو الضغوط الإقليمية والدولية لتغيير نهجها.
خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير، الذي دعا فيه “حماس” لتسليم سلاحها وإنهاء سيطرتها على القطاع والتحول إلى حزب سياسي، يعكس عمق الشرخ الداخلي الفلسطيني، كما يُعيد طرح تساؤلات مزمنة حول قابلية الحركة للانخراط في مشروع وطني جامع بعيد عن السلاح والانقسام.
صدامات دامية
حماس، منذ سيطرتها على غزة عام 2007 بعد صدامات دامية مع حركة “فتح”، تتعامل مع أي دعوة لتسليم السلاح على أنها مساس بـ”خيار المقاومة”، الذي تراه مبرراً في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته. منذ السابع من أكتوبر، وخصوصاً بعد الهجوم الذي نفذته على جنوب إسرائيل وما تبعه من حرب شرسة على القطاع، لم تُبدِ الحركة أي توجه للتراجع عن خيارها العسكري، بل عززت من خطابها السياسي الذي يُشرعن المقاومة المسلحة كخيار دفاعي ورد على الاحتلال.
رغم الدمار الواسع في غزة والانهيار الإنساني التام تقريباً، لا تبدو “حماس” في وارد تقديم تنازلات سياسية أو أمنية، خصوصاً أنها ترى في الأحداث الأخيرة فرصة لإعادة طرح نفسها كلاعب أساسي على الساحة الفلسطينية والعربية، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه المدنيون. حتى على المستوى الإقليمي، وبينما تعالت أصوات من بعض الدول العربية بضرورة توحيد الصف الفلسطيني، لا تزال الحركة تُراهن على ما تعتبره “رصيداً شعبياً” يدعمها في مواجهة الاحتلال.
تسليم الرهائن
من جهة أخرى، خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وطلبه من “حماس” تسليم الرهائن الإسرائيليين كخطوة “لسد الذرائع” أمام استمرار القصف الإسرائيلي، لم يُقابل حتى اللحظة بأي رد فعل عملي من الحركة، التي تربط هذا الملف بحزمة مطالب، تشمل وقف العدوان، ورفع الحصار، والإفراج عن الأسرى. وهذا يشي بأن المسألة تتجاوز مجرد نداءات أخلاقية أو سياسية، وتدخل في سياق صراع أعمق على الشرعية، والدور، والمكانة داخل النظام السياسي الفلسطيني.
تاريخياً، لم تُبدِ “حماس” أي ميل فعلي للتخلي عن سلاحها. حتى في فترات التهدئة أو المصالحة، كانت مواقفها واضحة في تمسكها بسلاح “المقاومة”، ورفضها لشرط “نزع السلاح” الذي طالما وضعته إسرائيل وبعض الدول كشرط للتهدئة أو حتى لإعادة الإعمار. لذلك، فإن الاستجابة لطلب السلطة اليوم تبدو بعيدة المنال، خاصة في ظل تصدع الثقة بين الطرفين، والانقسامات التي تُعمّق الأزمة الفلسطينية الداخلية أكثر من أي وقت مضى.
ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو غياب قوى رئيسية عن جلسة المجلس المركزي، مثل “الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية” و”حركة المبادرة”، مما يعكس هشاشة التوافق الوطني ويجعل من مشروع “توحيد الساحة الفلسطينية” مهمة شبه مستحيلة في المرحلة الحالية.