تشير المعطيات الحالية إلى أن احتمالية اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران لم تعد مجرّد سيناريو نظري، بل تقترب شيئاً فشيئاً من الواقع، في ظل تصاعد التهديدات، واستهدافات متبادلة، وتصريحات من أعلى المستويات السياسية والعسكرية. ومع ذلك، فإن قدرة إسرائيل على خوض هذه الحرب “وحدها”، ومن دون غطاء أو دعم أميركي مباشر، تبدو موضع شك حقيقي، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية.
قدرة إسرائيل العسكرية على مواجهة إيران
رغم التفوق العسكري الإسرائيلي في مجالات عدة، خصوصاً في سلاح الجو والاستخبارات، إلا أن المواجهة مع إيران تختلف جذرياً عن الحملات السابقة ضد “حزب الله” في لبنان أو “حماس” في غزة. إيران تمتلك عمقاً جغرافياً هائلاً، وقدرات صاروخية متقدمة، وشبكة حلفاء إقليميين مثل الحوثيين وحزب الله، ما يجعل أي هجوم عليها معرّضاً لردود واسعة ومركّبة.
صحيح أن إسرائيل قامت، بحسب شهادات قادة في سلاح الجو، بالتحضير لمثل هذا السيناريو منذ سنوات، إلا أن تنفيذ هجوم استراتيجي شامل ضد المنشآت النووية الإيرانية سيتطلب موارد هائلة، وتنسيقاً لوجستياً معقّداً، ودعماً استخبارياً كبيراً لا يمكن تحقيقه بالكامل دون شراكة أميركية مباشرة.
التهديد باستخدام “القاذفات الاستراتيجية” من طراز B-52 خلال تدريبات مشتركة مع أميركا وبريطانيا، يؤكد الحاجة الإسرائيلية للدعم الخارجي في تنفيذ ضربات عابرة للقارات. وبالتالي، فإن الحديث عن “الاكتفاء الذاتي” في تنفيذ الضربة يبدو أقرب إلى خطاب تعبوي داخلي من كونه استراتيجية واقعية قابلة للتنفيذ.
الأضرار الاقتصادية المتوقعة على إسرائيل
فتح جبهة مباشرة مع إيران، وبالأخص دون غطاء أميركي، يعني مخاطرة اقتصادية هائلة على إسرائيل. إيران وحلفاؤها قادرون على استهداف البنية التحتية الحيوية، مثل المطارات والموانئ ومحطات توليد الطاقة، ما قد يشل حركة الاقتصاد ويؤثر على النشاط التجاري والسياحي.
أضف إلى ذلك احتمالية انهيار سوق الأسهم الإسرائيلية، وزيادة كلفة التأمين على الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال. كل ذلك في وقت لا تزال إسرائيل تتعافى من تداعيات “هجوم 7 أكتوبر” وحربها الممتدة في غزة.
تقديرات إسرائيلية غير رسمية تشير إلى أن أي حرب شاملة قد تكلّف الدولة مليارات الدولارات شهرياً، مع انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي، وتفاقم عجز الموازنة، وارتفاع تكلفة المعيشة، فضلاً عن احتمال انهيار الثقة بالاقتصاد.
الغضب الشعبي والانقسام الداخلي
واحدة من أكثر النقاط حساسية الآن هي مزاج الشارع الإسرائيلي. فالحرب المستمرة في غزة منذ أكتوبر 2023 أرهقت المجتمع، وأسفرت عن مقتل عدد غير مسبوق من الجنود الإسرائيليين، إلى جانب أزمة رهائن لا تزال بدون حل، وسخط داخلي ضد القيادة السياسية وعلى رأسها نتنياهو.
تصريحات السياسيين والعسكريين عن “ضرورة ضرب إيران” لا تُقابل دائماً بالتأييد الشعبي. هناك انقسام واضح بين من يرى في ذلك ضرورة دفاعية وجودية، ومن يخشى أن يقود هذا التصعيد إلى حرب إقليمية لا يمكن السيطرة عليها. هذا الانقسام قد يتحوّل إلى انفجار شعبي، خاصة إذا ترافق مع أزمة اقتصادية خانقة، أو خسائر بشرية كبيرة.
في الداخل الإسرائيلي، بدأت بعض النخب الاستراتيجية، كما في مراكز أبحاث مثل “ميتفيم”، تحذر من تضليل الرأي العام بشأن قدرة إسرائيل على تنفيذ هجوم استراتيجي “بمفردها”. بل إن بعض الدبلوماسيين السابقين دعوا إلى التركيز على المسار السياسي، لا العسكري، لتجنب كارثة قد تكون أعظم من أي تهديد نووي.
إسرائيل تمتلك قوة عسكرية، لكنها غير كافية لخوض حرب مباشرة ضد إيران دون دعم أميركي. كما أن تكاليف الحرب المحتملة، اقتصادياً واجتماعياً، باهظة إلى درجة تهدد استقرارها الداخلي. وفي ظل مشهد إقليمي متحوّل وتحالفات تتغير، فإن الرهان على خيار عسكري منفرد قد لا يكون سوى مغامرة خطيرة تقود إلى نتائج عكسية تماماً.
مقابل كل هذه التهديدات، إسرائيل أمام مفترق طرق: بين من يطالب بـ”الردع عبر الحرب”، ومن يرى أن الحفاظ على الدولة يبدأ من ضبط النفس والعودة إلى الدبلوماسية.