مع انطلاق جلسات الاستماع في محكمة العدل الدولية حول التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في قطاع غزة، يتجدد النقاش حول مدى إلزامية قرارات هذه المحكمة وقدرتها الفعلية على التأثير في السلوك الإسرائيلي، خصوصًا فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر.
حماية المدنيين في زمن الحرب
محكمة العدل الدولية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، تصدر نوعين من القرارات: أحكام ملزمة في القضايا الخلافية بين الدول، وآراء استشارية بطلب من هيئات أممية. في الحالة الحالية، تستند الجلسات إلى طلب رأي استشاري تقدمت به الجمعية العامة للأمم المتحدة. الرأي الاستشاري، رغم وزنه القانوني والأخلاقي الكبير، لا يحمل صفة الإلزام القانوني المباشر. بمعنى أن إسرائيل ليست ملزمة، من الناحية القانونية، بالامتثال لما ستخلص إليه المحكمة، لكن تجاهلها للرأي قد يكلفها أثمانًا سياسية ودبلوماسية باهظة.
فعليًا، الرأي الاستشاري سيحدد إطارًا قانونيًا واضحًا حول التزامات إسرائيل كقوة احتلال بموجب القانون الدولي الإنساني، خاصة ما يتعلق بضمان تدفق المساعدات دون عوائق، وحماية المدنيين في زمن الحرب. هذا التوصيف القانوني سيوفر أرضية صلبة لمزيد من التحركات السياسية والدبلوماسية ضد إسرائيل، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو من خلال مبادرات دولية فردية.
عزلة دبلوماسية
أما عن قدرة المحكمة على فرض إدخال المساعدات بحكم رسمي، فالأمر معقد. المحكمة بحد ذاتها لا تملك ذراع تنفيذية. تنفيذ قراراتها يعتمد على مجلس الأمن الدولي، الذي يتولى مهمة الإلزام بالقوة إذا لزم الأمر. غير أن الواقع السياسي لمجلس الأمن، وخاصة الدعم الأميركي التقليدي لإسرائيل، يجعل من الصعب تصور إصدار قرار قسري ضدها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
أي ضغوط فعلية على إسرائيل ستكون إذن سياسية وأخلاقية بالأساس، وقد تتجسد في شكل عزلة دبلوماسية، أو حشد دولي لمقاطعتها اقتصاديًا وسياسيًا، أو في دفع بعض الدول إلى الاعتراف رسمياً بارتكابها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
أزمة إنسانية متعمدة
في هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى أن الضغط القانوني وإن بدا بطيئًا، إلا أن تأثيره التراكمي قد يكون بالغ الأثر. فالتوصيف القانوني لإسرائيل كجهة تعيق وصول المساعدات، أو كمسؤولة عن أزمة إنسانية متعمدة، يفتح الباب أمام ملاحقتها دوليًا أمام هيئات أخرى، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، التي تختص بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
باختصار، رغم أن محكمة العدل الدولية لا تملك آلية مباشرة لإجبار إسرائيل على إدخال المساعدات، إلا أن الرأي القانوني الصادر عنها سيشكل ورقة ضغط قوية في أيدي الدول والمنظمات الدولية التي تسعى لإنهاء الحصار وإغاثة سكان غزة. ويبقى الرهان الحقيقي على تزايد العزلة الدولية لإسرائيل، وعلى بناء تحالف دولي قادر على ترجمة الضغط القانوني إلى مواقف سياسية عملية.