رفضت حركة حماس اليوم الأربعاء شرط نزع سلاح المقاومة الذي وضعته إسرائيل كأحد مفاتيح الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. هذا الرفض يعيد المفاوضات إلى نقطة الجمود ويضع مساعي التهدئة أمام احتمال الانهيار الكامل، وسط استمرار التصعيد الميداني والتدهور الإنساني في القطاع.
الإصرار الإسرائيلي على نزع السلاح ليس مجرد مطلب أمني، بل يحمل بعدًا سياسيًا يتصل بمستقبل الحكم في غزة. بالمقابل، ترى حماس في سلاحها ليس فقط أداة للمقاومة بل جوهرًا لوجودها السياسي وضمانة لاستمرار تأثيرها في المشهد الفلسطيني، وهو ما يجعل أي اتفاق مشروط بنزع السلاح أقرب للرفض منه للقبول.
الواقع الحالي يعكس أزمة أعمق من مجرد خلاف على بنود التهدئة. لا أحد يملك تصورًا واضحًا لليوم التالي في غزة. ما هو شكل الحكم؟ من يديره؟ وكيف يُعاد الإعمار؟ الطروحات المتداولة—من عودة السلطة الفلسطينية إلى صيغة إدارة عربية أو دولية مؤقتة—جميعها تصطدم بحسابات معقدة على الأرض، أهمها موقف حماس نفسها التي لا تُظهر أي استعداد لتسليم الحكم أو تقاسم السلطة.
رغم كل الكلفة التي تكبدها القطاع، لا تزال حماس متمسكة بالبقاء، مدفوعة باعتبارات تتجاوز الداخل الفلسطيني. فهي تتحرك ضمن محور إقليمي يرى في استمرار وجودها ورقة ضغط وأداة توازن. كما أن الخروج من الحكم، بالنسبة للحركة، قد يعني خسارة مشروعها السياسي وفتح باب الملاحقة والمساءلة.
مع ذلك، تظل التجربة الممتدة منذ 2007 وحتى اليوم مليئة بالمؤشرات التي تدعو إلى المراجعة. فالجمع بين المقاومة والحكم أثبت تعقيده، خاصة في بيئة محاصرة وممزقة سياسيًا، ويبدو أن حماس، إن أرادت مستقبلًا مستقرًا للقطاع، بحاجة إلى قراءة واقعية لما بعد الحرب، توازن بين ثوابتها ومقتضيات المرحلة.
اليوم، ليس المطلوب فقط وقف إطلاق النار، بل نقاش صريح وجدي حول من يحكم غزة، وكيف تُدار، وبأي أفق وطني جامع، يخرج غزة من نفق الدم إلى بداية طريق مختلف. لكن ذلك لن يكون ممكنًا دون أن تقرّ كل الأطراف—بما فيها حماس—بأن الأمور لم تعد تحتمل إدارة الأزمة كما هي، بل تتطلب تغييرًا عميقًا في الرؤية والمسار.
بين التمسك بالسلاح وضرورات المستقبل
في ظل هذا الموقف المتصلب من “حماس”، واحتمالات الانهيار التي تلوح في الأفق، تبدو غزة أمام مفترق طرق حاد. المطلوب اليوم ليس فقط تسوية عسكرية أو سياسية، بل إعادة صياغة شاملة لعلاقة “حماس” بالحكم والمقاومة، ولمستقبل القطاع الذي دفع ثمناً باهظاً للصراع. بدون ذلك، سيظل “اليوم التالي” مجرد شعار مؤجل، تتقاذفه التجاذبات الإقليمية، وتتجرعه غزة وحدها.