يعكس المقترح الأميركي الجديد الذي طرحه المبعوث ستيف ويتكوف على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحولاً ملحوظاً في المقاربة الأميركية تجاه الحرب في غزة. بعد أشهر من الدعم غير المشروط تقريباً لإسرائيل، باتت واشنطن الآن تدفع – بشكل متزايد – نحو تسوية سياسية، تبدأ بصفقة تبادل أسرى شاملة وتمتد إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد وربما إنهاء شامل للحرب. هذا التغيير لا ينبع فقط من الحسابات الإنسانية أو السياسية الأميركية الخارجية، بل من تراكم الضغوط الداخلية في إسرائيل نفسها، وخاصة من عائلات الأسرى والمجتمع المدني.
ملامح المقترح الأميركي
بحسب ما نقلته صحيفة “معاريف” وغيرها من المصادر، فإن المقترح الأميركي يقوم على مبدأ الصفقة المتكاملة: الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة مقابل وقف إطلاق نار دائم، وانسحاب قوات الاحتلال من عمق القطاع، ورفع الحصار، والبدء في عملية إعمار بإشراف دولي. هذا النموذج يُعيد للواجهة منطق “الكل مقابل الكل”، ولكن بصيغة أشمل تتجاوز تبادل الأفراد إلى إعادة هيكلة الوضع في غزة سياسياً وأمنياً.
ويتكوف، بدعم من المبعوث الخاص لشؤون الرهائن آدم بولر، لم يكتفِ بالطرح داخل الغرف المغلقة، بل زار ساحة الاعتصام في تل أبيب، حيث تقيم عائلات الأسرى خيامها منذ شهور. ظهوره في هذا السياق رسالة مزدوجة: للإسرائيليين بأن واشنطن تقف معهم، ولنتنياهو بأن الضغط لم يعد أميركياً فقط، بل داخلياً أيضاً.
هل تقبل إسرائيل بهذا المقترح؟
السؤال لا يُجاب عليه بنعم أو لا، لأن المشهد داخل إسرائيل شديد التعقيد. من جهة، نتنياهو يواجه ضغطاً داخلياً متزايداً من عائلات الأسرى، وأعداد من النخب الأمنية والعسكرية التي باتت ترى أن الحسم العسكري الكامل مستحيل، وأن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى المزيد من القتلى والشلل الاقتصادي. كما أن عودة أسير واحد، عيدان ألكسندر، أثارت شعوراً عاماً بأن الحل التفاوضي ممكن بل وفاعل، ما يجعل رفض أي صفقة مشابهة يبدو – شعبياً – كرفض صريح لاستعادة الرهائن.
لكن من جهة أخرى، نتنياهو مقيد سياسياً، إذ إن أي صفقة كبرى مع “حماس” قد تُفسَّر في أوساط اليمين الإسرائيلي كاستسلام. كما أن جزءاً من حكومته الائتلافية – خاصة وزراء مثل بن غفير وسموتريتش – يرفضون أي تهدئة أو تسوية، ويضغطون لاستكمال الحرب حتى القضاء على “حماس” بالكامل. ولهذا السبب، قد يُحاول نتنياهو المراوغة، أو استخدام المفاوضات كأداة لكسب الوقت والمناورة السياسية، دون التزام حقيقي بالحل الكامل.
تنازلات جوهرية من إسرائيل
الفرق الأساسي اليوم أن الإفراج عن عيدان ألكسندر، الذي تم عبر مفاوضات مباشرة بين حماس ومسؤولين أميركيين، فتح نافذة جدية لأول مرة. حماس، من جانبها، أعلنت استعدادها للدخول في مفاوضات شاملة وفورية، وهو ما يعطي المقترح الأميركي زخماً حقيقياً. وفي حال استجابت إسرائيل للضغط المتصاعد من عائلات الأسرى، فقد يتم التوصل إلى مرحلة انتقالية تهدئ فيها إسرائيل التصعيد مقابل تسلسل زمني للإفراج عن الرهائن.
لكن أي اتفاق من هذا النوع سيتطلب تنازلات جوهرية من إسرائيل: وقف العمليات العسكرية في رفح، الانسحاب من مناطق واسعة، والسماح بدخول المساعدات، وكل ذلك لا يزال يصطدم بعقيدة الحرب التي يتبناها نتنياهو والتي تقول: “لا وقف إطلاق نار قبل تدمير حماس.”
صفقة شاملة
المقترح الأميركي لوقف الحرب في غزة عبر صفقة شاملة هو حتى الآن أقرب إلى “فرصة” منها إلى “اختراق حقيقي”. لكنه في الوقت ذاته يشكّل الفرصة الأهم منذ بداية الحرب لتغيير مسارها، خاصة وأن الطرفين – “حماس” من موقع الإنهاك، وإسرائيل من ضغط الرأي العام – باتا أقرب إلى التفاهم مما مضى.